أيّها السّادر في غلوائه، السّادل ثوب خيلائه، الجامح في جهالاته، الجانح إلى خزعبلاته ... إلام تستمرّ على غيّك، وتستمرئ مرعى بغيك! وحتام تتناهى في زهوك، ولا تنتهي عن لهوك!
***
السّادر: الراكب هواه، لا يردّه شيء استطالة وبغيا، ويقال للذي يطيل الجلوس في الشمس حتى يتحير بصره: قد سدر فهو سادر. في غلوائه: في ارتفاعه للشرّ ولجاجة فيه، وهو من غلا يغلو في الأمر، إذا جاز الحدّ؛ فيقول: يا أيّها الأعمى الكثير اللجاج في ركوب المعاصي؛ هلّا نظرت بعين البصيرة، ورجعت عمّا أنت عليه من الضلال! السّادل: المرخي، خيلائه: كبره. الجامح: الجاري إلى غير غاية، وقد جمح الفرس إذا أكبّ رأسه، وجرى في غير قصد، فيريد أنه أكثر الفساد حتى جرى منه في غير طريق الجانح: المائل. الخزعبلات: الأباطيل، وهو ما يتراءى للإنسان في نومه من الخيال.
تستمرّ: تدوم في زورك. غيّك: ضلالك. تستمرئ: تستطيب من المريء، وهو ما يلتذ به من الطعام. بغيك: ظلمك. تتناهى: تبلغ النهاية، ونهاية الشيء، آخره، زهوك: كبرك وعجبك. اللهو: ما يشغل عن الخير من أنواع الطرب.
[[ما قيل شعرا في ذم الكبر]]
وقال القاضي أبو جعفر بن عمر في ذمّ الكبر وما يتعلق به: [الوافر]
ولا تنسب إلى كبر فهذا ... أبوك التّرب يخفضك انتسابا
ولا تصحب أخا كبر وقدّم ... على النّفس الأعادي والصّحابا
ولا تحبب محاباة بمدح ... كفى بالمرء حوبا أن يحابى
وحاذر أن ترى في القوم رأسا ... ولا تنس الذّنوب وكن ذنابى
ترابا كن هنا فعساك ألّا ... تمنّى أن تكون غدا ترابا
وقال أبو نواس: [البسيط]
حذّرتك الكبر لا يغشاك ميسمه ... فإنّه ملبس نازعته الله (١)
يا بؤس جلد على جوف مجوفه ... يحوي مقادير إن كلمته تاها
يرى عليك له فضلا يبين به ... إن نال في العاجل السلطان والجاها
إني لأمقت نفسي عند نخوتها ... فكيف آمن مقت الله إيّاها
وقال أبو العتاهية: [السريع]
(١) الأبيات فى ديوان أبي نواس ص ١٩٧.