حكى الحارث بن همام قال: عشوت في ليلة داجية الظّلم، فاحمة اللّمم، إلى نار تضرم على علم، وتخبر عن كرم، وكانت ليلة جوّها مقرور وجيبها مزرور، ونجمها مغموم، وغيمها مركوم وأنا فيها أصرد من عين الحرباء، والعنز الجرباء، فلم أزل أنصّ عنسي، وأقول: طوبى لك ولنفسي، إلى أن تبصّر الموقد آلي، وتبيّن إرقالي، فانحدر يعدو الجمزى، وينشد مرتجزا! .
***
داجية وفاحمة: شديدة السّواد. واللّمم: جمع لمة، وهي جمّة الشعر التي ألمّت بالمنكب، أي قاربته. وجعل للّيلة لمّة مجازا، وهو يريد شدّة سوادها، تضرم: توقد.
علم: جبل. جوّها: ناحية سمائها. مقرور: بارد. وأراد أنّ ما يجيء من جوّها من الريح والهواء بارد جدا. مزرور: مشدود بالأزرار، وهي أطواق الثّياب، وهذا يكون في طوق الصّغير يشقّ في صدر الثّوب عوضا عن الجيب، ويترك من الطّوق طرفان على ذلك الشق، فإذا لبس الثوب شدّ الطرفين، فيقال عند ذلك: قد زرّرت الثوب، يريد أن السحاب قد تكاثف في تلك الليلة، فلا تبصر العين فيها لشدة ظلامها، لأن الثوب إذا شددت أزراره، لم يجد رأس الإنسان من أين يخرج، فلما جعل لليلته ثوبا من الظلام والسحاب جعله مربوطا مشدودا مغموما مستورا، غيمها: سحابها، مركوم، أي متراكب بعضه على بعض، أنصّ عنسي، أي أجهد ناقتي وأتعبها، والنّصّ رفع السير، وقالت أم سلمة لعائشة رضي الله عنهما: ما كنت قائلة لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عارضك ببعض الفلوات ناصّة قلوصا من منهل إلى آخر، ومنه نصّ الحديث إلى فلان، أي رفعه إلىشخص.