للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الحارث بن همام: فطفقنا نخبط في تقليب قريضه، وتأويل معاريضه وهو يلهو بنا لهو الخليّ بالشّجي، ويقول: ليس بعشّك فادرجي، إلى أن تعسّر النّتاج، واستحكم الارتتاج؛ فألقينا إليه المقادة، وخطبنا منه الإفادة؛ فوقفنا بين المطمع واليأس، وقال:

الإيناس قبل الإبساس؛ فعلمنا أنّه ممن يرغب في الشّكم، ويرتشي في الحكم، وساء أبا مثوانا أن نعرّض للغرم، أو نخيّب بالرّغم؛ فأحضر صاحب المنزل ناقة عيديّة، وحلّة سعيديّة، وقال له: خذهما حلالا ولا ترزأ أضيافي زبالا، فقال: أشهد أنّها شنشنة أخزميّة. وأريحية حاتميّة.

***

طفقنا: أخذنا نخبط: نتكلم بالزائد والناقص. تأويل: تفسير. معاريضه: ما عرض به ولم يتمّه. الخليّ: الذي لا هم له، والشجي: الحزين وياء الخليّ مشددة وياء الشجيّ مخففة. وقد شدّدت ياء الشّجي في الشعر إتباعا لياء الخلي، وقالوا: إني لآتيه بالغدايا والعشايا، فحملوا الغدايا على العشايا، وحكى ثعلب في غير الفصيح عن الأصمعي تثقيل الياء فيهما، ومن جعل شجي فعل كحذر خفف، ومن جعله فعيل مثل غنّى شدّد، وفعل بغير ياء أقيس، والتشديد في المثل أحسن للازدواج. تعسّر: صعب. النّتاج: ما ينتج لهم من المعاني. استحكم: توثّق الارتتاج: الانغلاق، وأرتج على القارئ وارتجج، إذا لم يقدر على القراءة كأنه أطبق عليه. ويرتشي: يأخذ الرّشوة، وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لعن الله الراشي والمرتشي والرائش»، فقيل: وما الرائش؟ قال: الذي يمشي بينهما.

ألقينا إليه المقادة: أي انقدنا له، ورزأت الرّجل أرزؤه؛ إذا أصبت منه خيرا، وزرأته ماله: نقصته والزّبال بالكسر: ما تحمله النّملة بفيها، والأريحية: الاهتزاز للجود.

ساء حزن. والرّغم: الذلة والهوان. شنشنة: طبيعة حاتمية منسوبة إلى حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج أحد بني ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيئ.

[[حاتم الطائي]]

يكنى أبا سفّانة وأبا عديّ. فارس شاعر جاهليّ، أحد الأجواد الذين يضرب بهم المثل، بل هو أشهر منهم، وهم: كعب بن مامة، وهرم بن سنان، وحاتم، وكان إذا قاتل غلب، وإذا غنم نهب، وإذا سئل وهب، وإذا قامر سبق، وإذا أسر أطلق، وإذا أثرى أنفق. ويقال: أنه لا يعرف ميّت قرى أضيافه إلّا هو، وذلك أن ركبا من العرب نزلوا بموضع قبره، وقد نفد زادهم، وفيهم رجل يكنى أبا خيبريّ، فجعل يقول: أبا سفّانة، أما تقري أضيافك أباسفّانة، إن أضيافك جياع، يعيدها، فلما نام ثار من نومه، . وهو يقول: وا راحلتاه! عقرت والله ناقتي، فقال له أصحابه: وكيف؟ قال: رأيت أبا سفّانة قد انشق عنه قبره فاستوى قائما ينشدني: [المتقارب]

<<  <  ج: ص:  >  >>