للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقامة الثانية عشرة وهي الدّمشقيّة

حكى الحارث بن همّام قال: شخصت من العراق إلى الغوطة، وأنا ذو جرد مربوطة، وجدة مغبوطة، يلهيني خلوّ الذّرع، ويزدهيني حفول الضّرع. فلمّا بلغتها بعد شقّ النّفس، وإنضاء العنس، ألفيتها كما تصف الألسن، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين، فشكرت يد النّوى، وجريت طلقا مع الهوى، وطفقت أفضّ فيها ختوم الشّهوات، وأجتني قطوف اللّذّات، إلى أن شرع سفر في الإعراق، وقد أشفقت من الإغراق، فعادني عيد من تذكار الوطن، والحنين إلى العطن، فقوّضت خيام الغيبة، وأسرجت جواد الأوبة.

***

[[غوطة دمشق]]

شخصت، أي خرجت. الغوطة: موضع بالشأم خصيب بخارج دمشق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستفتح عليكم الشأم فعليكم بمدينة يقال لها دمشق، هي خير مدائن الشأم وفسطاط المؤمنين بأرض منها يقال لها الغوطة» (١). قال الأصمعيّ: أحسن أنهار الدنيا ثلاثة أنهار: الغوطة، وسمرقند، ونهر الأبلّة، وهو قريب من البصرة، وحشوشها ثلاثة:

عمان، وأردبيل، وهيت. وسمّيت دمشق باسم صاحبها الذي بناها، وهي إرم ذات العماد.

وقال اليعقوبيّ: مدينة دمشق جليلة المقدار قديمة، وهي مدينة الشأم في الجاهلية والإسلام، وليس لها نظير في جميع بلاد الشأم في أنهارها وبساتينها، ومبانيها وكثرة عمارتها. وافتتحت في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة أربع عشرة.

وقال شيخنا ابن جبير: مدينة دمشق هي جنّة المشرق، ومطلع حسنه المونق، وعروس المدن. قد تحلّت بأزاهير الرياحين، وتجلّت في حلل سندسيّة من البساتين، وحلّت من موضع الحسن بمكان مكين، وتجلّت في منصتها بأجمل تزيين، وتشرفت بأن


(١) أخرجه أبو داود في السنة باب ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>