[[مما قيل في العمى شعرا]]
وهذا الاعتذار عن التعامي حسن، وقد تقدم اعتذار ابن عباس رضي الله عنهما عنه.
ومما يعزى للحصريّ في ذلك: [الوافر]
وقالوا قد عميت فقلت كلّا ... فإني اليوم أبصر من بصير
سواد العين زار سواد قلبي ... ليجتمعا على فهم الأمور
أخذه من قول بشار: [الطويل]
إذا ولد المولود أعمى وجدته ... وجدّك أهدى من بصير وأحولا
عميت جنينا والذّكاء من العمى ... فجئت عجيب الظنّ للعلم معقلا
وغاض ضياء العين للقلب فاغتدى ... بقلب إذا ما ضيع النّاس حصّلا
وشعر كنور الرّوض لاءمت بينه ... بقول إذا ما أحزن الشّعر أسهلا
وقال بشار: [مخلع البسيط]
قالوا العمى منظر قبيح ... قلت بفقدي لكم يهون
تالله ما في البلاد شيء ... تأسى على فقده العيون
وعكس هذا المعنى أبو العيناء حين سأله المتوكل: ما أشدّ ما عليك في ذهاب بصرك؟ قال: ما حرمته يا أمير المؤمنين من رؤيتك مع إجماع الناس على جمالك.
ومما يستملح من هذا الباب: نشأ أعمى بين أعورين، فإذا مشيا أو قعدا، فحاذى عور هذا عور هذا نشأ بينهما أعمى.
وقال المتنبي يمدح العور ويذمّه في بيت واحد: [الوافر]
أيا ابن كروّس يا نصف أعمى ... وإن تفخر فيا نصف البصير (١)
فإذا انضمّ ابن كروس إلى مثله نشأ بينهما أعمى، قال الشاعر: [البسيط]
وبيننا أبدا أعمى نؤلّفه ... قد يخلق الله عميانا من العور
وقال آخر: [الوافر]
ألم ترني وعمرا حين نغدو ... إلى الحاجات ليس لنا نظير
أسايره على يمنى يديه ... وفيما بيننا رجل ضرير
وقال آخر في أعور وعوراء تعاشقا: [الخفيف]
(١) البيت في ديوان المتنبي ٢/ ١٤٤.