للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقلت: والّذي حرّم أكل الرّبا، وأحلّ أكل اللّبأ، ما فهت بزور، ولا دلّيتك بغرور، وستخبر حقيقة الأمر، وتحمد بذل اللّبأ والتّمر. فهشّ هشاشة المصدوق، وانطلق مغدّا إلى السوق، فما كان بأسرع من أن أقبل بهما يدلح، ووجهه من التّعب يكلح، فوضعهما لديّ، وضع الممتنّ عليّ، وقال: اضرب الجيش بالجيش، تحظ بلذّة العيش. فحسرت عن ساعد النّهم، وحملت حملة الفيل الملتهم، وهو يلحظني كما يلحظ الحنق، ويودّ من الغيظ لو اختنق، حتّى إذا هلقمت النّوعين، وغادرتهما أثرا بعد عين، أقردت حيرة في إظلال البيات، وفكرة في جواب الأبيات، فما لبث أن قام، وأحضر الدّواة والأقلام، وقال: قد ملأت الجراب، فأمل الجواب، وإلّا فتهيّأ إن نكلت، لاغترام ما أكلت، فقلت له: ما عند إلّا التّحقيق، فاكتب الجواب، وبالله التوفيق.

***

الربا: البيع الفاسد.

ابن عباس رضي الله عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أكل درهما من ربا، فهو مثل ثلاث وثلاثين زنية، ومن نبت لحمه من السّحت فالنار أولى به» (١).

فهت: نطقت. زور: باطل. دلّيتك بغرور: يريد أنه لم يعرّر به بل صدّقه.

ستنخبر: ستجرّب. هش: اهتزّ. المصدوق: الذي أخبر بالصدق. مغذّا: مسرعا، وقد أغذّ إغذاذا، إذا أسرع. يدلح: يتثاقل في المشي، ودلحت الدّابة بالحمل دلوحا، والسحاب بالماء. نهضت به ثقيلا. يكلح: يعيش. الممتنّ: المتفضّل. اضرب الجيش بالجيش، أي اخلطهما عند أكلك لهما. تحظّ: تسعد، حسرت عن ساعد، أي شمرت عن ذراع. النّهم: الكثير الشهوة والحرص على الأكل. الملتهم: المبتلع لما وجد.

يلحظني: ينظرني بطرف عينه. الحنق: المغتاظ. وحنق حنقا: اشتدّ غيظه. هلقمت:

ابتلعت بسرعة. غادرتهما: تركتهما أثرا بعد عين، أي بعد أن كان الطعام مريئا ابتلعته فلم يبق غير أثره الإناء.

***

[ما شهر من مغربات الزرد] (٢)

ويليق بهذا الموضع أن نذكر فيه ما شهر من مغرّبات الزرد، قال الشاعر في أكول: [الوافر]


(١) أخرجه بنحوه الترمذي في الجمعة باب ٧٩، والدارمي في الرقاق باب ٦٠، وأحمد في المسند ٣/ ٣٢١، ٣٩٩.
(٢) الزرد: أي سرعة ابتلاع الطعام.

<<  <  ج: ص:  >  >>