حكى الحارث بن همام قال: شتوت بالكرج لدين أقتضيه، وأرب أقضيه، فبلوت من شتائها الكالح، وصرّها النّافح، ما عرّفني جهد البلاء، وعكف بي على الاصطلاء؛ فلم أكن أزايل وجاري، ولا مستوقد ناري، إلّا لضرورة أدفع إليها، أو إقامة جماعة أحافظ عليها، فاضطررت في يوم جوّه مزمهرّ، ودجنه مكفهر إلى أن برزت من كناني، لمهمّ عناني؛ فإذا شيخ عاري الجلدة، بادي الجردة، وقد اعتمّ بريطة، واستثفر بفويطة، وحواليه جمع كثيف الحواشي، وهو ينشد ولا يحاشي.
***
شتوت: أقمت في الشتاء.
[[الكرج]]
والكرج: مدينة معروفة، وبشدة البرد موصوفة، وهي بين أصبهان وهمذان، وقد تقدم برد همذان في الأولى، ومن همذان إلى نهاوند مرحلتان، ومن الكرج إلى مدينة أصبهان ستون فرسخا. وهي منازل عيسى بن إدريس بن معقل العجليّ، ولم تكن في أيام العجم مدينة مشهورة، وإنما كانت في عداد القرى العظام من رساتيق كورة أصبهان، فنزلها العجليّون فبنوا بها الحصون والقصور، وجعلها أبو دلف مدينة عظيمة.
وقال أبو دلف: دخلت على الرّشيد، فقال لي: يا قاسم، ما خبر أرضك؟ قلت:
خراب يباب، خرّبها الأكراد والأعراب، فقال قائل: هذا آفة الجبل وهو أفسده، فقلت:
ففعل ذلك، وعمّر الكرج، حتى صار دار أجناد، ومحلّ وفود وقصّاد.
وقال عليّ بن جبلة: زرته في الجبل، فلما حللت بالكرج، أظهر من برّي وإكرامي أمرا مفرطا، حتى تأخّرت عنه تأخرا كبيرا. فوصل إليّ معقل بن عيسى، فقال: يقول الأمير: انقطعت عني، وأحسبك استقللت برّي، فلا يغضبنّك ذلك، فسأزيد فيه حتى ترضى فقلت: والله ما قطعني عنه إلا إفراطه بالبرّ. قال: وكتب إليه في ذلك: