قوله: «ما أغزر ويلك»، أي ما أكثر بلاغتك. وأملك: ألزم وأحقّ، يريد أن شرطك الذي شرطت من إعطائي دينارا آخر إن ذممته، قد لزمك بذمّي له. والشرط أملك مثل، وأول من قاله الأفعى الجرهميّ، وكان حكيما للعرب، فتحاكم إليه خصمان، فاشترط أحدهما وأراد ألّا يلتزمه، فقال الأفعى: الشرط أملك، وتقديره الشرط أملك لأمرك منك.
نفحته: رميته. عوّذهما: رقاهما. والمثاني: أمّ القرآن، سميت بذلك لأنها تثني في الصلاة، واختصّها لأنه أشار عليه أن يحمد الله على أخذ الدينار، فكأنه قال: اقرأ الحمد لله رب العالمين، شكرا لله عليهما وتعويذا لهما.
وهذا كما قال ابن رشيق في غلام جميل: [السريع]
معتدل القامة والقدّ ... مورّد الوجنة والخدّ
لو وضع الورد على خدّه ... ما عرف الخدّ من الورد
قل للّذي يعجب من حسنه ... اقرأ عليه سورة الحمد
وله في مثله: [السريع]
شكوت بالحبّ إلى ظالمي ... فقال لي مستهزئا: ما هو!
قلت: غرام ثابت، قال لي: ... اقرأ عليه «قل هو الله»
وقال أبو عبيد: المثاني في كتاب الله ثلاثة أشياء: القرآن، سمّاه الله المثاني في قوله تعالى: كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ [الزمر: ٢٣]، وسمّى الفاتحة «مثاني» في قوله: سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي [الحجر: ٨٧] وروى عثمان وابن عباس وابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم. «إن المثاني من السور ما دون المئين»، كأنها جعلت مبادئ والتي تليها مثاني.
قوله: «بتوأمه»، أي بأخيه، يعني الدّينار الأول. انكفأ: انقلب وولّى، معناه بكوره وسيره في الغدوّ. النادي ونداه: المجلس وكرم أهله.
[مدح الأشياء وذمّها]
ونريد أن نأتي بفصل في مدح الشيء وذمّه على حكم ما مدح الحريريّ الدّينار وذمّه، ونبيّن مذهب العرب وأهل الأدب في ذلك، فقد ألّف ابن رشيق فيه كتابا جلبت في هذا الكتاب عيونه.
قال أبو عثمان الجاحظ: العربيّ يعاف الشيء ويهجو به غيره، فإن ابتلي به فخر به، ولكنه لا يفخر به لنفسه من جهة ما هجا به غيره، فافهم هذا؛ فإنّ الناس يغلطون على العرب، ويزعمون أنّهم يمدحون بالشيء الذي يهجون به، وهذا باطل؛ ليس شيء إلا وله وجهان، فإذا مدحوا ذكروا أحسن الوجهين، وإذا ذمّوا ذكروا أقبح الوجهين.