الأمر المهمّ، هو الذي في القلب منه همّ وشغل، وقد ذكر أن الذي أوجب عليه قصد الحمام هو ما عليه من الوسخ، فيكون قوله: «وأقضى هذا المهمّ» من قوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ [الحج: ٢٩]، وقد أهمّني الشيء فهو مهمّ، وهذا القول أوفق بمراده.
[الحمّام وما قيل فيه شعرا]
وللزاهد بن عمران رحمه الله وقد استبطأ في دخول الحمّام: [البسيط]
يا صاح عهدي بالحمّام قد بعدا ... فلا تلمني فيه إن طلبت مدى
قارعت فيه العدا في معرك لجب ... دحض تزلّ به الأقدام قد بعدا
عدا أثرن برأسي حين ثرن به ... توقّدا وأعادت جلده جلدا
فظلت مستأصلا بالقتل أجمعها ... فلم أدع والدا منها ولا ولدا
ثم انثنيت معافى ناعما جذلا ... مظفرا أستزيد الواحد الصّمدا
ورأى نفسه ممتدّا بين يدي الحكّاك، فقال: [المتقارب]
أأغترّ إن مدّ في العمر لي ... وأرجي المتاب إلى قابل
وأغفل والموت لي طالب ... حثيث كذئب الغضى القاتل
كأنّي بي هكذا ميتا ... تحكّم فيّ يد الغاسل
وله أيضا: [المنسرح]
شكرت للدهر حسن ما صنعا ... طريد مجد تحيّتي رفعا
يا حسن حمّامنا وقد غربت ... شمس الضحى فيه بعد ما متعا
أيقن أنّ الهلال راكبه ... فضاء للحاضرين واتّسعا
فأنعم أبا عامر بنعمته ... واعجب لأمرين فيه قد جمعا
نيرانه من زنادكم قدحت ... وماؤه من بنانكم نبعا
ولبعضهم في حمّام كانت مضاوئه من زجاج أحمر، وفي سمائه حمرة وبياض [المتقارب]
تحيّرت من طيب حمّامنا ... فخيّل لي أن فيه الفلق
فمن حمرة فوقنا وابيضاض ... لخدّ الحبيب إذا ما عرق
رأى الدهر ما سدّ من حسنه ... فسدّ كوى سقفه بالشّفق
ودخل الحمّام أبو جعفر التّطيليّ وأبو بكر بن بقيّ رحمهما الله تعالى، فقال أبو جعفر: [المنسرح]
يا حسن حمّامنا وبهجته ... مرأى من السّحر كله حسن
ماء ونار حواهما كنف ... كالقلب فيه السّرور والحزن