للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقامة الثلاثون وهي الصّوريّة

حكى الحارث بن همّام، قال: ارتحلت من مدينة المنصور، إلى بلدة صور؛ فلمّا حصلت بها ذا رفعة وخفض، ومالك رفع وخفض؛ تقت إلى مصر توقان السقيم إلى الأساة، والكريم إلى المواساة؛ فرفضت علائق الاستقامة، ونفضت علائق الإقامة، واعروريت ظهر ابن النّعامة، وأجفلت نحوهاإجفال النّعامة. فلمّا دخلتها بعد معاناة الأين، ومداناة الحين، كلف بها كلفت النّشوان بالاصطباح، والحيران بتنفّس الصّباح.

***

[[أبو جعفر المنصور]]

قوله: مدينة المنصور، هي بغداد، والمنصور هو أمير المؤمنين أبو جعفر بن محمد ابن عليّ بن عبد الله بن عباس، استخلف بعد أخيه السفاح، وبويع له يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثين ومائة. وهو ابن إحدى وأربعين سنة وعشرة أشهر، وكان حاجّا وقت وفاة السفاح، فعقد له البيعة عمّه موسى بن عليّ بن عبد الله بالأنبار، وورد الخبر على المنصور في أربعة عشر يوما.

وقد بشّر به النبي صلّى الله عليه وسلم، ونظر إلى عمه العباس، فقال: هذا عمي أبو الخلفاء الأربعين أجود قريش كفّا، ومن ولده السّفاح والمنصور والمهدي.

وقال المنصور: رأيت في المنام كأني في المسجد الحرام، فنودي: أين عبد الله؟

فقمت أنا عبد الله بن يحيى نستبق، حتى وصلنا إلى الدرجة العليا، فجلس هو وأخذ بيدي، فأصعدت، وأدخلت الكعبة، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم جالس ومعه أبو بكر وعمر وبلال. قال. فأقعدني وأوصاني بأمّته، عممني، فكان كورها ثلاثا وعشرين كورا، وقال:

خذها إليك أبا الخلفاء إلى يوم القيامة.

وقال المنصور: الخليفة لا يصلحه إلا التقوى، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة، والرعيّة لا يصلحها إلّا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه.

<<  <  ج: ص:  >  >>