أخبر الحارث بن همّام، قال: لمّا جبت البيد إلى زبيد، صحبني غلام قد كنت ربّيته إلى أن بلغ أشدّه، وثقّفته حتّى أكمل رشده.
وكان قد أنس بأخلاقي، وخبر مجالب وفاقي؛ فلم يكن يتخطّى مرامي، ولا يخطئ في المرامي؛ لا جرم أنّ قربه التاطت بصفري، وأخلصته لحضري وسفري، فألوى به الدّهر المبيد، حين ضمّتنا زبيد.
***
جبت: قطعت. البيد: الصحارى.
زبيد: بلدة باليمن بينها وبين صنعاء أربعون فرسخا، وليس في اليمن بعد صنعاء أكبر منها، ولا أغنى من أهلها، ولا أكثر خيرا، واسعة البساتين، كثيرة المياه والفواكه من الموز وغيره، وهي برّية لا ساحلية.
وبلغ أشدّه: أي بلغ الحلم، وقيل ثلاثين سنة. قال الأزهريّ رحمه الله تعالى:
الأشدّ فى كتاب الله تعالى على ثلاث معان: أما قوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً [يوسف: ٢٢] فبلوغه مبلغ الرجال، وكذا في اليتيم، حكمه أن يحفظ عليه ماله حتى يبلغ أشدّه، وبلوغه أشده أن يؤنس الرّشد منه مع أن يكون بالغا.
وأما قوله تعالى في قصة موسى عليه الصلاة والسلام وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى [القصص: ١٤] فقرن بلوغ الأشد بالاستواء وهو أن تجتمع قوّته، ويكتهل وذلك من ثمان وعشرين إلى ثلاث وثلاثين سنة، وذلك منتهى الشباب. وأما قوله تعالى حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً [الأحقاف: ١٥] فهي نهاية بلوغ الأشد، وعندها بعث محمد صلى الله عليه وسلم، وقد اجتمعت حكمته وتمام عقله، فبلوغ الأشدّ محصور البداية محصور النهاية ما بين ذلك.
ثقفته: قوّمته وحذفته. خبر: أي جرّب وعرف. مجالب وفاقي: أي عرف من أين يجلب ما يوافقني. يتخطّى: يتجاوز. مرامي: مرادي ومقصدي لاجرم، أي لا محالة