للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: اتقوا الكذب، فإن الكذب يجانب الإيمان.

***

[قصة المثل: تجوع الحرّة ولا تأكل ثدييها]

قوله: «تجوع الحرّة ولا تأكل ثدييها»، أي لا ترضع لبنها بالأجرة، ثم تأكلها، وهو مثل يضرب للذي لا يمنعه من صيانته شدّة فقره، وهذا المثل للحارث بن سليل الأسديّ، وكان خطب إلى علقمة بن خصفة الطائيّ- وكان شيخا فقال علقمة لامرأته:

اختبري ما عند ابنتك، فقالت: أي بنيّة، أيّ الرجال أحبّ إليك؟ الكهل الجحجاح الواصل الميّاح، أم الفتى الوضّاح، الذهول الطمّاح؟ قالت: بل الفتى، قالت: إن الفتى يغيرك، وإن الشيخ يعيرك، قالت: يا أماه إن الفتى شديد الحجاب، كثير العتاب، يا أمّاه أخشى من الشيخ أن يدنّس ثيابي ويبلي شبابي، ويشمت بي أترابي. فلم تزل أمّها بها حتى غلبتها على رأيها. فتزوّجها الحارث، ثم ارتحل بها إلى أهله، وإنه لجالس ذات يوم بفناء قبّته، وهي إلى جانبه إذ أقبل شباب من بني أسد يعتلجون، فتنفّست الصّعداء ثم بكت، فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: ما لي وللشيوخ، الناهضين كالفروخ، من كل حوقل فنيخ، فقال: ثكلتك أمّك! تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، ثم قال: وأبيك لربّ غارة شهدتها، وسبيّة أردفتها، وخمرة شربتها، فالحقي بأهلك، فلا حاجة لي فيك.

قولها: «الجحجاح»: السيد السمح. والميّاح: الكثير المعروف، ويغيرك يتزوّج عليك، ويعيرك: يميرك، ويعتلجون: يتصارعون. والحوقل: اللسن، والفنيخ: الضعيف الرّخو. وقول العامة: لا تأكل ثدييها، أي لا تأكل لحم الثدي خطأ لا وجه له، ويجوز على حذف مضاف تقديره أجر ثدييها أو ثمنهما، أو يكون على المجاز، كأنها إذا أكلت أجرهما فقد أكلتهما، ونحوه قول الشاعر: [الطويل]

إذا صبّ ما في القعب فاعلم بأنّه ... دم الشّيخ فاشرب من دم الشّيخ أودعا

يريد رجلا أخذا إبلا في دية أبيه، فيقول له: إذا شربت لبنها فكأنك تشرب دم أبيك.

قوله: «وتأبى الدنيّة ولو اضطرت إليها»: أي تتمنّع من إتيان الفعل الدنيء، ولو ألجئت إليه. والزّبون: الذي يغلب في المعاملات، فعول بمعنى مفعول، لأنه بزين أي يدفع عن استكمال حقه.

أغضى: أسدل جفّني، أي لا أسكت لك على الخداع. أنذرتك: نبّهتك. ينهتك:

ينقطع. الوتر: العداوة، وقيل: الفرد، فيكون معنى: «ينعقد بيننا الوتر»، أي يرتبط.

وتري بوترك، أي شخصي بشخصك في هذه المعاملة، أو عند المضاربة معك إن خدعتني. تلغ: تترك. الإنذار: التحذير. حذار، أي احذر وخف.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>