واتركي العذل على من قاله ... وانسبي جوري إلى حكم القضا
ولهذا البيت حكاية أدبية، قال الحسين؛ كانت لي نوبة في دار الواثق، فبينا أنا نائم ذات ليلة، إذ جاءني خادم من خدّام الحرم، فقال لي: إن أمير المؤمنين يدعوك، فقلت له: وما الخبر؟ قال: إنه كان نائما إلى جنب حظيّته فقام وهو يظنها قائمة، فألم بجارية أخرى، وعاد إلى فراشه، فغضبت حظيته وتركته حتى نام، ثم قامت، ودخلت حجرتها فانتبه وهو يظنّها عنده، فطلبها فلم يجدها، فقال: من اختلس كريمتي، ويحكم أين هي! فأخبرناه أنّها قامت غضبى ومضت إلى حجرتها. فدعا بك، قال: فمضيت مع الرّسول وروّيت أبياتا في طريقي، فلما جئته خبّرني القصة، وقال لي: قل في هذا شيئا، ففكّرت هنيهة كأنّي أقول شعرا، ثم أنشدته الأبيات:[الرمل].
غضت أن زرت أخرى غضبة ... فلها العتبى علينا والرّضا
يا فدتك النفس كانت هفوة ... فاغفريها واصفحي عمّا مضى
واتركي العذل على من قاله ... وانسبي جوري إلى حكم القضا
فلقد نبّهتني من رقدتي ... وعلى قلبي كنيران الغضى
فقال: أحسنت بحياتي، أعدها عليّ يا حسين، فأعدتها عليه حتى حفظها، وأمر لي بخمسمائة درهم، فقام ومضى إلى الجارية فأنشدها الأبيات فتراضيا، فكان بعد إذا رآني تبسّم لموقع الأبيات ونجحها عند الجارية، والإحالة على القضاء بالذّنب هو مذهب الجبرية فمن فعل منهم ذنبا قال: لا ذنب لي، إنما قدّر عليّ ومذهب القدريّة خلافه: قال الشاعر في ردّه: [الطويل]
إذا أذنبوا قالوا مقادير قدّرت ... وما العار إلا ما تجرّ المقادر
وقوله: غيّها، أي فسادها. مستشرية: لاحية مصمّمة. واستشرى الشيء: انتشر، واستشرى في أمره: لجّ فيه.
[[وأد البنات]]
والقتل الذي ذكره للبنات هو الوأد الذي كانت تفعله الجاهلية، قال الله سبحانه وتعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير: ٩].
والموءودة: التي تدفن حيّة، فتنقل بالتراب، والوأد: القتل.
وورد قيس بن عاصم المنقريّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: بعض الأنصار عن وأده البنات، فقال قيس: ما ولدت لي بنت إلا وأدتها، وما رحمت منهنّ إلا واحدة ولدتها أمها، وأنا في سفر، فدفعتها إلى أخوالها، وقدمت فسألت عن الحمل، فأخبرت أنها ولدت ميتا. ومضت سنون، حتى ترعرعت، فزارت أمها ذات يوم، فدخلت فرأيتها قد ضفرت شعرها، وجعلت في قرونها شيئا من الخلوق، ونظّمت عليها ودعا، وألبستها