ويقال: ألقى عصاه، إذا ترك السّير وأقام، وروى الأصبعيّ عن بعض البصريين أنه قال: سمّيت العصا عصا لأن اليد والأصابع تشتمل عليها، وهو من قول العرب: عصوت القوم إذا جمعتهم على خير أو شرّ، ويقال: عصي بالسيف يعصى إذا ضرب به كما يضرب بالعصا. بشر: طلاقة وجه.
***
قال: فبرز إليّ جوذر، عليه شوذر، وقال: [الرجز]
وحرمة الشّيخ الّذي سنّ القرى ... وأسّس المحجوج في أمّ القرى
ما عندنا لطارق إذا عرى ... سوى الحديث والمناخ في الذّرا
* فما ترى فيما ذكرت ما ترى*
***
برز: خرج. جؤذر: ظبي، وأصله ولد الغزالة. الشوذر: ثوب قصير.
[[إبراهيم عليه السلام]]
والشيخ الذي سنّ القرى، هو إبراهيم عليه السلام، واختصّه بلقب الشيخ لأنه أوّل من شاب، ولما رأى الشيب، قال: يا ربّ، ما هذا؟ فأوحى الله إليه، يا إبراهيم، هذا وقار، فقال: يا ربّ زدني وقارا. وشاب وهو ابن مائة وخمسين سنة، وذلك أنه لمّا ولدت سارة إسحاق، قال الكنعانيون: ألا تعجبون لهذا الشيخ والعجوز وجدا غلاما، فتبنّياه! فصوّر الله إسحاق على صورة إبراهيم عليهما السلام، فلم يفصل بينهما، فوشم الله إبراهيم بالشيب.
قوله: «سنّ»: ابتدأ، وجعله سنّة، وهو أول من ضيّف الضيف، وأطعم المساكين، وقصّ شاربه، وقلّم أظافره واستحدّ واستاك، وفرق شعره، ومضمض واستنثر، واستنجى بالماء. وأسّس المحجوج، أي بنى أساس البيت الحرام.
وأمّ القرى: مكّة. والطارق: الآتي بالليل. والمناخ: موضع البروك. يقري:
يضيف. الكرى: النوم برى أعظمه، أي أزال اللحم عنها. انبرى: اعترض.
[[قرى الضيف]]
وقال حبيب في أنّ أوّل من قرى الضيف إبراهيم عليه السلام: [الكامل]
للجود سهم في المكارم والتّقى ... لا ربّه المكدي ولا المسهوم (١)
وبيان ذلك أن أوّل من قرى ... وحبا خليل الله إبراهيم
(١) المكدي: الفقير، والمسهوم: الضامر. والبيت في ديوان أبي تمام ص ٣٠٠.