للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقامة الثانية والثلاثون وتعرف بالطيبيّة

حكى الحارث بن همام، قال: أجمعت حين قضيت مناسك الحجّ، وأقمت وظائف العجّ والثّجّ، أن أقصد طيبة، مع رفقة من بني شيبة؛ لأزور قبر المصطفى، وأخرج من قبيل من حجّ وجفا، فأرجف بأنّ المسالك شاغرة، وعرب الحرمين متشاجرة، فحرت بين إشفاق يثبّطني، وأشواق تنشّطني؛ إلى أن ألقي في روعي الاستسلام، وتغليب زيارة قبره عليه السّلام فأعتمت القعدة، وأعددت العدّة، وسرت والرّفقة، لا نلوي على عرجة، ولأنني في تأويب ولا دلجة، حتّى وافينا بني حرب، وقد آبوا من حرب، فأزمعنا أن نقضّي ظلّ اليوم، في حلّة القوم.

***

أجمعت: عزمت عليه كأنه جمع نفسه له. ومناسك الحج: متعبّداته. وظائف:

لوازم، والوظيفة: النصيب الذي يلزمك عزمه. العجّ: رفع الصوت بالتّلبية، وكانوا في الجاهلية إذا أتمّوا حجّهم يتفاخرون بمآثر آبائهم، فأمروا بالثناء على الله تعالى. والثّجّ:

إراقة الدماء، وعجّ يعجّ عجّا وعجيجا: رفع صوته، وثججت الدمع، أثجّه: أسلته، وهو لازم ومتعدّ. وسئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال فقال: «العجّ والثّج» (١).

طيبة: مدينة النبي صلّى الله عليه وسلم. بنو شيبة: حجبة البيت، وشيبة هو عبد المطلب، وسمّي بذلك، لأنه نشأ بالمدينة عند أخواله صغيرا، فلما مات أبوه هاشم ذهب إليه المطلب، فأتى به فرآه معه أهل مكة فقالوا: ما هو إلا عبد اشتراه، فغلب عليه عبد المطلب. جفا أراد به قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «من حجّ البيت ولم يزرني، فقد جفاني، ومن زارني بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي».

وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من جاءني زائرا لا يهمّه إلا زيارتي كان حقّا على الله أن


(١) أخرجه الترمذي في الحج باب ١٤، وتفسير سورة ٣، باب ٦، وابن ماجة في المناسك باب ٦، ١٦، والدارمي في المناسك باب ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>