للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أيلة، فهى مسيرة أربعين ليلة. وافتتحت كلها في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، على يدي عمرو بن العاص بن وائل السهميّ.

ولما افتتحت مصر، أتى أهلها إلى عمرو، فقالوا له: أيها الأمير، إن لنيلنا هذا سنّة لا يجري إلا بها، فقال لهم: ما ذاك؟ فقالوا له: إذا كان اثنتا عشرة ليلة تخلو من بئونة من أشهر العجم، عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أبويها، وحملنا عليها من الحلي والحلل أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في النيل. فقال لهم عمرو: إن هذا لا يكون في الإسلام، وإن الإسلام يهدم ما قبله. فأقاموا بؤونة وأبيب ومسرى- وهي أسماء ثلاثة أشهر للقبط- لا يجري النيل فيها لا قليلا ولا كثيرا، حتى همّوا بالجلاء منها. فلما رأى ذلك عمرو بن العاص كتب بذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فكتب عمر بطاقة، وكتب إلى عمرو: إني بعثت إليك بطاقة فألقها في النيل. فأخذ عمرو البطاقة فإذا فيها: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر، أمّا بعد، فإن كنت إنما تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهار، هو الذي يجريك، فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك. فألقى البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بيوم وقد تهيّأ أهل مصر للجلاء، فلمّا ألقى البطاقة في النيل أصبحوا يوم الصليب. وقد أجراه الله تعالى ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة، فقطع الله تعالى تلك السنة السوء من أهل مصر.

قال ابن جبير: ومدينة مصر كبيرة عامرة، مختلفة الأسواق من المدن التي سارت بأوصافها الرّفاق، وهي على شط النيل، وعلى النيل في مقابلتها قرية كبيرة الشأن، كثيرة البنيان، تعرف بالجيزة، وتعترض بينهما جزيرة فيها مساكن حسان وعلاليّ مشرفة، وهي مجتمع لهو أهل مصر ومنتزههم، وبينها وبين مصر خليج يذهب بطولها نحو الميل، ولا مخرج له. وبالجزيرة جامع يخطب فيه.

[[مقياس النيل]]

ويتصل بهذا الجامع المقياس الذي يعتبر فيه قدر زيادة فيض النيل كل سنة، وابتداؤه من شهر بئونة، ومعظم انتهائه أغشت وآخرها أول أكتوبر.

والمقياس: عمود رخام سمّر في موضع ينحصر فيه الماء عند انتهائه إليه، وهو مفصّل على اثنتين وعشرين ذراعا، وكل ذراع مفصلة على أربعة وعشرين قسما أقساما متساوية تعرف بالأصابع، فإذا استوى الماء تسع عشرة ذراعا في الفيض، فهي الغاية عندهم في طيب العام، وربما كان الماء فيها كثيرا لعموم الفيض، والمتوسط ما استوى سبع عشرة ذراعا وهو أحسن ممّا زاد عليه.

والذي يستحق به السلطان خراجه ست عشرة ذراعا فصاعدا، وعليها تعطى البشارة للذي يراقب الزيادة في كلّ يوم، ويعلم بها مياومة، وإن قصر عن ست عشرة فلا يجيء

<<  <  ج: ص:  >  >>