حكى الحارث بن همام قال: عاشرت بقطيعة الرّبيع، في إبّان الرّبيع، فتية وجوههم أبلج من أنواره، وأخلاقهم أبهج من أزهاره، وألفاظهم أرقّ من نسيم أسحاره.
فاجتليت منهم ما يزري على الرّبيع الزّاهر، ويغني عن رنّات المزاهر؛ وكنّا تقاسمنا على حفظ الوداد، وحظر الاستبداد، وألّا يتفرّد أحدنا بالتذاذ، ولا يستأثر ولو برذاذ. فأجمعنا في يوم سما دجنه، ونما حسنه، وحكم بالاصطباح مزنه، على أن نلتهي بالخروج، إلى بعض المروج؛ لنسرّح النّواظر، في الرّياض النّواضر، ونصقل الخواطر، بشيم المواطر؛ فبرزنا ونحن كالشّهور عدّه؛ وكنّا كندمانى جذيمة مودّة.
***
عاشرت: صاحبت.
قطيعة الربيع: بلد معروف، والربيع حاجب المنصور ومولاه، وهو [والد] الفضل ابن الربيع بن يونس بن محمد بن عبد الله بن أبي فروة، وكان أقطعه المنصور بلدا بالعراق فبناه، وبنى الناس معه، حتى صار فيه عمارات كثيرة، وهي محلّة قريبة من كوخ بغداد في أعلى غربية بغداد، فنسبت إلى الربيع.
إبّان: وقت. فصل الرّبيع: النّوار. أبلج: أحسن لونا وأنعم. أنواره: أزهاره، ونوّر النبات وأنور صار فيه النّور، وأبهج: أحسن لونا، والبهجة: حسن اللون ونسيم السّحر ريحه اللينة الباردة، وفي حديث عن النبي صلّى الله عليه وسلم:«يقول الله تعالى للجنّة كلّ يوم: طيبي لأهلك فتزداد طيبا»، فذلك البرد الذي تجده الناس بسحر ذلك اليوم.
وقال ابن عمّار في نسيم السّحر على الرياض فأحسن:[الطويل]
ويوم لنا بالسّدّ بين معاطف ... من النّهر تنساب انسياب الأراقم
بحيث اتخذنا الروض جارا تزورنا ... هداياه في أيدي الرّياح النّواسم