للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فافسخ شهادته عليك بخضبة ... تنفي الظنون بها عن المرتاب

فإذا دنا وقت الرحيل فخلّه ... والشّيب يذهب فيه كلّ ذهاب

وقوله: والشيب ضيف له التوقير، قام وكيع لسفيان فنكر قيامه إليه فقال: أتنكر عليّ قيامي إليك، وأنت حدّثتني عن عمرو بن دينار، عن أنس بن مالك رضي الله عنهم:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنّ من إجلال الله عزّ وجلّ إجلال ذي الشيبة المسلم». قال: فأخذ سفيان بيده، فأقعده إلى جانبه.

وعن أنس رضي الله تعالى عنه، قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «ما أكرم شابّ شيخا لسنّه إلا قيّض الله تعالى له من يكرمه عند كبر سنه».

وقال صلّى الله عليه وسلم: «أوحى إليّ ربي يقول: الشيب على عبدي المؤمن نور من نوري، وأنا أكرم من أن أحرق نوري بناري».

وحدث محمد بن مسلم الخوّاص الرجل الصالح. قال: رأيت يحيى بن أكثم القاضي في المنام، فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: أوقفني بين يديه، وقال: يا شيخ السوء، لولا شيبتك لأحرقتك بالنار، فأخذني ما يأخذ العبد بين يدي مولاه، فلما أفقت قالها ثانية وثالثة، فلما أفقت قلت: يا ربّ، ما هكذا حدّثت عنك، فقال تعالى: وما حدّثت عني؟ قلت: حدثني عبد الرزاق، قال: حدثني معمر بن راشد، عن ابن شهاب الزّهري، عن أنس بن مالك، عن نبيّك محمد صلّى الله عليه وسلم عن جبريل، عنك يا عظيم؛ أنك قلت: ما شاب لي عبد في الإسلام شيبة إلا استحييت منه أن أعذبه بالنار، فقال الله عزّ وجلّ: صدق عبد الرزاق وصدق معمر، وصدق الزّهري وصدق أنس وصدق نبيّي وصدق جبريل، أنا قلت ذلك، انطلقوا به إلى الجنة.

***

[تفسير ما أودع هذه المقامة من النكت العربية والأحاجي النحوية]

أما صدر البيت الأخير من الأغنية الذي هو: «فإن وصلا ألذّ به»؛ فإنه نظير قولهم:

المرء مجزيّ بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ، وهذه المسألة أودعها سيبويه كتابه وجوّز في إعرابها أربعة أوجه:

أحدها- وهو أجودها- أن تنصب: «خيرا» الأول وترفع الثاني. وتنصب: «شرّا» الأول وترفع الثاني، ويكون تقديره: إن كان عمله خيرا فجزاؤه خير، وإن كان عمله شرّا فجزاؤه شرّ، فتنصب الأوّل على أنه خبر كان، وترفع الثاني على أنه خبر مبتدأ محذوف. وقد حذفت في هذا الوجه «كان» واسمها لدلالة حرف الشّرط الذي هو «إن» على تقديرهما. وحذف أيضا المبتدأ لدلالة الفاء التي هي جواب الشرط عليه؛ لأنه كثيرا ما يقع بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>