للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[طوفان نوح عليه السلام]]

ونذكر هنا بعد ما حدث من طوفان نوح عليه السلام:

ذكر أهل الأخبار أن نوحا عليه السلام أوّل نبيّ بعث، وأنّ قومه كانوا أهل أوثان، يعبدونها من دون الله، فبعث لهم نوح فدعاهم إلى الله، فكانوايبطشون به، ويستخفّون به، وهو يقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. فلمّا كثر استخفافهم به، قال:

رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [نوح: ٢٦]، فأوحى الله إليه أن اصنع الفلك فإنهم مغرقون. فأقبل على قطع الخشب وضرب الحديد وتهيئة العود بالفار وغيره، فصنعه من خشب السّاج، وجعل طوله ثمانين ذراعا وعرضه خمسين ذراعا، وطوله في السماء ثلاثين ذراعا. وكان قومه في خلال صنعة السفينة يأتونه أفواجا، يستخفّون عقله، ويعدّون فعله من جنونه، ويقولون له: عملت سفينة في البرّ، فيقول لهم: سوف تعلمون. فلما اطمأنوا في الفلك فار التّنور من الهند، وقال الشعبي رحمه الله من الكوفة.

وفتحت أبواب السماء بماء منهمر، وتفجّرت الأرض عيونا، فكان بين إرسال الماء وارتفاعه أربعون يوما، فلما بلغ الماء إليهم أووا إلى الجبال، فكانت الجبال تستقبلهم بالحجارة، وتغرقهم في الماء، فماتوا غرقى، وارتفع الفلك، وجعل يجري في موج كالجبال، ودار الأرض كلها في ستة أشهر وعشر ليال. ويقال: إنهم ركبوها لعشر ليال مضين من رجب، ونزلوا يوم عاشوراء من المحرّم، فلذلك صام الناس يوم عاشوراء، وأتت السفينة الحرم فدارت به أسبوعا، ولم يبق شيء الخلائق ولا من الشجر إلّا هلك، إلا نوح ومن معه، وإلّا عوج بن عنق- فيما يزعم أهل الكتاب- وانتهت آخرا إلى الجوديّ، وهو جبل بالحصنين من أرض الموصل فنزلت عليه.

***

قوله: ابن جلا، أي المشهور المعروف، يقال للرجل إذا كان عالي الشرف واضح الأمر لا يخفى مكانه: هو ابن جلا، أي هو الذى الأمور بنفسه، وأوضحها، قال سحيم ابن وثيل: [الوافر]

أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني (١)

وكان صاحب غارات، يطلع فيها من ثنيّة الجبل على قومه؛ قال ثعلب: العمامة تلبس في الحرب وتوضع في السّلم؛ قال ابن الأعرابيّ: يقال للسّيد: ابن جلا، قال سيبويه رحمه الله: جلا فعل ماض، كأنه يعني الذي جلا، أي أوضح وكشف.


(١) البيت لسحيم بن وثيل الرياحي في الأصمعيات ص ١٧، والشعر والشعراء ٢/ ٦٤٧، والكتاب ٣/ ٢٠٧، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص ٤٥٦، وشرح قطر الندى ص ٨٦، ولسان العرب (ثنى)، (جلا)، ومجالس ثعلب ١/ ٢١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>