ونذكر على قوله:«أنا في العالم مثلة»، فصلا في ذكر قباح الوجوه من العلماء وغيرهم.
فمنهم الجاحظ، وأراد المتوكل أن يعلّم بنيه الثلاثة ولاة عهده، فأدخل عليهم، فارتاعوا من قبح وجهه، فأخرج عنهم بعنف.
وحكى المسعوديّ: أنّ الجاحظ قال: ذكرت للمتوكّل لتعليم بعض ولده، فلما رآني استبشع منظري، فأمر لي بعشرة آلاف درهم وصرفني.
وقال الحمدونيّ:[الكامل]
لو يمسخ الخنزير مسخا ثانيا ... لرأيته في دون قبح الجاحظ
رجل ينوب عن الجحيم بوجهه ... وهو العدوّ لكلّ عين لاحظ
قال الأصمعيّ رحمه الله: دخلت يوما على جعفر بن يحيى، فقال لي: هل لك يا أصمعيّ من زوجة؟ قلت: لا، قال: فجارية؟ قلت: للمهنة، قال: فهل لك أن أهب لك جارية نظيفة؟ ، قلت: إني لمحتاج إلى ذلك. فأمر بجارية فأخرجت وهي في غاية الحسن والجمال والهيئة والظّرف، فقال لها: قد وهبتك لهذا، وقال لي: خذ هذه، فشكرته، وبكت الجارية، وقالت: يا سيّدي، أتدفعني لهذا الشيخ مع ما أرى من سماحتك وقبح منظره! وجزعت جزعا شديدا، فقال لي: يا أصمعيّ، هل لك أن أعوّضك منها ألف دينار؟ فقلت: ما أكره ذلك، فأمر لي بها، ودخلت الجارية، فقال لي: يا أصمعيّ، أنكرت عليها شيئا، فأردت عقوبتها بك، ثم رحمتها منك، فقلت: أيّها الأمير، أفلا أعلمتني قبل ذلك، فإنّي لم آتك حتى سرّحت لحيتي، وأصلحت وجهي وعمّتي، فلو عرفت الخبر لسرت على هيئتي وخلقتي، فو الله لو رأتني كذلك ما عاودت شيئا تنكره أبدا.
وما ضرّ من ذكرنا قبحهم مع العلم الذي زيّنهم الله به، وكذا ينبغي لمن خلق قبيح الصورة أن يستعمل لها الأخلاق الحسان، والأفعال الحسان، لئلّا يجمع بين قبيحين.
كان الأويقص المخزوميّ أقبح الناس خلقة، وما روي مثله في العفاف والزهد.
وكان قاضي مكة، فقال يوما لجلسائه: قالت لي أمّي: يا بنيّ إنك خلقت خلقة لا تصلح معها لمجالسة الفتيان في بيوت القيان، فعليك بالدّين، فإنّ الله تعالى يرفع به الخسيسة، ويتمّ به النقيصة. فنفعني الله بكلامها، فولّيت القضاء.
وروي أن أمّ مالك بن أنس أوصته بمثل هذه الوصية، حين أراد أن يتعلّم الغناء في حداثته، فتكره وتعلّم العلم، فذهب به حيث بلغ.
وكان عطاء بن أبي رباح أعور أسود أفطس أشلّ أعرج، ثم عمي. وأمّه سوداء