تلميذة ولّادة بنت المكتفي، وولّادة شاعرة بارعة التّندير، فمن تندّرها قولها في ذي الوزارتين ابن زيدون عاشقها تعرّض له بشيء كان يزنّ به: [السريع]
ما لابن زيدون على فضله ... يغتابني ظلما ولا ذنب لي
يلحظني شزرا إذا جئته ... كأنّما جئت لأخصي علي
وعليّ صبيّه، وكان يمزح معه.
***
فقال له السّائل: لله درّك من بحر لا يغضغضه الماتح، وحبر لا يبلغ مدحه المادح؛ ثمّ أطرق إطراق الحييّ، وأرمّ إرمام العييّ فقال له أبو زيد: إيه يا فتى! فإلى متى وإلى متى! فقال: إيه لم يبق في كنانتي مرماة، ولا بعد إشراق صبحك مماراة؛ فبالله أيّ ابن أرض أنت؟ فما أحسن ما أبنت! فأنشد بلسان ذلق، وصوت صهصلق: [مجزوء الوافر]
أنا في العالم مثله ... ولأهل العلم قبله
غير أني كلّ يوم ... بين تعريس ورحله
والغريب الدار لو ح ... لّ بطوبى لم تطب له
ثمّ قال: اللهمّ كما جعلتنا ممن هدي ويهدي، فاجعلهم ممّن يهتدي ويهدي.
فساق إليه القوم ذودا مع قينة، وسألوه أين يزورهم الفينة بعد الفينة. فنهض يمنّيهم العود، ويزجّي الأمة والذّود.
***
قوله: يغضغضه: ينقصه. الماتح: المستقي من أعلى البئر، والمائح، بالياء من قعرها. حبر: عالم. أطرق: أمال رأسه ساكتا. وأرمّ: سكت. العييّ: الذي إن كلّمته لم يحسن ردّ جوابه. إيه: بمعنى زدني من سؤالك.
ابن السريّ: إذا قلت: «إيه يا رجل»، فإنما تأمره أن يزيدك من الحديث المعهود بينكما، كأنك قلت: هات الحديث، وإن قلت إيه: بالتنوين، فكأنك قلت: هات حديثا ما، فإلى متى سكوتك؟ مرماة: سهم يرمي به السّبق، وقيل: هو سهم مدوّر النّصل. بعد إشراق صبحك، أي بعد ظهور فضلك. وإشراق ضوء. مماراة: شك. أبنت: بيّنت.
ذلق: حديد. صهصلق: شديد. مثلة: مغيّر الخلق، فهي «فعلة» من المثل، ويقال المثلة والمثل بمعنى.
***