قال الفنجديهيّ: رويت هذه الحكاية عن أشخاص وأشياخ ثقات.
وعلى ذكر الفأرة والجرذان كتب أبو حفص الورّاق رقعة إلى الصاحب، منها:
وحال عبد مولانا في الحنطة مختلفة، وجرذان دارة عنها منصرفة، فإن رأى أن يخلط عبده بما أخصب عنده فعل إن شاء الله تعالى. فوقّع فيها: «أحسنت يا أبا حفص قولا، وسنحسن إليك فعلا، فبشّر جرذان دارك بالخصب، وأمنها من الجدب، فالحنطة تأتيك في الأسبوع، وليست عن غيرها من النفقة بممنوع. إن شاء الله تعالى».
قوله: «أوى»: أشفق. غير: تغيّر وهو من تغيّر الحال، وهو اسم واحد بمنزلة الجمع، والغير مذكّر وجمعه أغيار. هذا قول الكسائي. ويجوز أن يكون جمعا، واحدته غيرة وهذا قول ابن عمرو، يقال للدية: غيرة لأنها تغير الفؤاد إلى الرّضا به. صبا: مال.
الإسعاف: قضاء الحاجة. النّظّارة: الناس الناظرون إليه.
***
قال الراوي: وكنت متشوقا إلى مرأى الشّيخ لعلّي أعلم علمه، إذا عاينت وسمه، ولم يكن الزّحام يسفر عنه. ولا يفرج لي فأدنو منه، فلما تقوّضت الصّفوف، وأجفل الوقوف، توسّمته فإذا هو أبو زيد والفتى فتاه، فعرفت حينئذ مغزاه فيما أتاه، وكدت أنقضّ عليه، لأستعرف إليه. فزجرني بإيماء طرفه، واستوقفني بإيماء كفّه.
***
متشوقا: متطلعا. وسمه: علامته. يسفر: يكشف، يفرج: يفتح لي فرجة.
تقوّضت: تفرّقت، وأصلها الهدم. أجفل: أسرع المشي. توسمته: نظرته. مغزاه: مذهبه ومقصده. انقضّ: انحط وانصبّ أستعرف إليه: أعرفه بنفسي. زجرني: انتهرني.
إيماض: إشارة بالعين خفية، وكثيرا ما يصرف الحريري في المقامات تنبيه أبي زيد لابن همام على نفسه بخفيّ الإشارة المغنية عن تصريح العبارة، وهو مذهب للعرب، ونبلاء أهل الأدب، وقد قالوا: ربّ كناية تغني عن إيضاح، ربّ لحظ يدل على ضمير.
[[في إشارة اللحظ]]
وفي إشارة اللحظ يقول الشاعر: [الطويل]
أشارت بطرف العين خيفة أهلها ... إشارة محزون ولم تتكلم (١)
فأيقنت أن اللحظ قد قال مرحبا ... وأهلا وسهلا بالحبيب المتيّم
وقال أبو نواس: [مجزوء الكامل]
لهفي على النّجل العيون ... النّهد القبّ البطون
(١) البيتان لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص ٢، ٤، وبلا نسبة في شرح شذور الذهب ص ٣٦.