[[الأصمعي]]
وأما ابن قريب، فهو أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عليّ بن أصمع، وإلى أصمع هذا ينسب. وأصمع فخذ من بني قتيبة بن معن بن أعصر بن سعيد بن قيس بن عيلان، وبنو معن هم بنو باهلة وباهلة، امرأة من همدان تزوّجت معنا فنسب ولده إليها.
والأصمع في اللغة الضّامر الذي ليس بمنتفخ، ومنه الصّومعة لضمرها، وتدقيق رأسها، ومثله قولهم: جاء بثريدة مصمّعة؛ إذا رققها وأحد رأسها، وسهم متصمّع: متلطّخ بالدم، فانضمّت قذذه.
وكان الأصمعيّ حافظا عالما عارفا بأشعار العرب وأخبارها، كثير التطوّف بالبوادي لاقتباس علومها وتلقّي أخبارها، فهو صاحب غرائب الأشعار، وعجائب الأخبار، وقدوة الفضلاء، وقبلة الأدباء، قد استولى على الغايات، في حفظ اللغات، وضبط العلوم الأدبيّات، صاحب دين متين، وعقل رصين، وكان خاصّا بالرشيد، آخذا لصلاته كثيرا، وقد تقدّم في هذا الكتاب من الحكايات المسندة إلى الأصمعيّ، ما يدل على تبحّره وحفظه.
ومن حكاياته عن إعرابه على ما أشار له الحريريّ هنا: حدّث الأصمعي رحمه الله، قال: أعرابي: حسن التدبير مع الكفاف، أكفى من الكثير مع الإسراف.
الأصمعي: سمعت أعرابيّا يقول: من كساه الحياء ثوبه، أخفى على الناس عيبه، الأصمعيّ: قال أعرابيّ: من اقتصد في الغنى والفقر، فقد استعدّ لنائبات الدهر.
قال: وقال أعرابيّ: عداوة الحكيم أقلّ عليك ضررا من مودّة الجاهل منهم.
قال: وقال أعرابيّ: أعجز النّاس من قصّر في طلب الإخوان، وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم.
وقال: تزوّج أعرابيّ إلى بعض الحاضرة، فلمّا كان ليلة دخوله بها، إذا هي أدماء مجدورة، فخرج من البيت وهو ينشد ويقول: [السريع]
زوّجتني أدماء مجدورة ... كأنها من خشب البيت
قبيحة الوجه لها منظر ... يفرّ منه ملك الموت
قال: وجرى بين أعرابيّ وبين امرأته كلام بالمربد، فشتمته، فقال لها: اسكتي، فو الله ما شعرك بوارد، وما فوك ببارد، ولا ثديك بناهد، ولا بطنك بوالد، ولا الخير فيك بزائد، ولا الشرّ فيك بواحد، وما أنا لك بحامد، ولا بعد موتك بواجد.
ونذكر بعد ذلك حكايته المشهورة مع الرشيد ووزرائه، ويحتمل طولها لما احتوت عليه من غرائب الآداب، وكان مجلس مذاكرة بين أفراد، فأظهركلّ رجل منهم أفضل ما يذكر.