حكى الحارث بن همّام قال: ألجأني حكم دهر قاسط، إلى أن أنتجع أرض واسط، فقصدتها وأنا لا أعرف بها سكنا، ولا أملك فيها مسكنا. ولمّا حللتها حلول الحوت بالبيداء، والشّعرة البيضاء في اللّمّة السوداء، قادني الحظّ النّاقص، والجدّ الناكص، إلى خان ينزله شذّاذ الآفاق، وأخلاط الرّفاق، وهو لنظافة مكانه، وظرافة سكّانه، يرغّب الغريب في إيطانه، وينسيه هوى أوطانه فاستفردت منه بحجرة، ولم أنافس في أجرة، فما كانإلّا كلمح طرف، أو خطّ حرف؛ حتّى سمعت جاري بيت بيت، يقول لنزيله في البيت:
واسط: بلد معروف بناه الحجاج وسط المسافة التي بين البصرة والكوفة، منها إلى كل واحدة منهما خمسون فرسخا، وسكنه، ومات فيه.
قال اليعقوبيّ: واسط مدينتان على حافتي دجلة، فالمدينة القديمة التي هي: منازل الدهاقين هي الشرقية من دجلة، وهي مدينة كسكر وابتنى الحجاج مدينة في الجانب الغربيّ، وجعل بينهما جسرا من السفن، وبنى بها قصره والقبة الخضراء التي يقال لها خضراء واسط والمسجد الجامع، وعليها سور، ونزلتها الولاة بعد الحجاج. وهي بين البصرة والكوفة والأهواز متوسطة، فسمّيت واسط بذلك.
قال الطبريّ خرج الحجاج يرتاد منزلا لأهل الشام، فأمعن حتى نزل أطراف كسكر، فبينما هو كذلك؛ إذ هو براهب قد أقبل على أتان له، فعبر دجلة، فلما كان بموضع واسط، تفاجّت الأتان فبالت، فنزل الراهب فاحتفر ذلك البول وحمله حتى رمى به دجلة، وذلك بعين الحجاج، فقال: عليّ به، فلما أتاه قال: ما حملك على ما صنعت؟
فقال: إنا نجد في كتبنا أنه يبنى في هذا الموضع مسجد يعبد الله فيه ما دام أحد في