وقال: إذا رأيت الليل مقبلا فرحت، وقلت: أخلو بربي، وإذا أبصرت الصبح استرجعت كراهة أن يجيء من يشغلني.
واطلع عليه بعض إخوانه من كوّة ولحيته تقطر دموعا، فقال: يا هؤلاء، ليس هذا زمن حديث إنما هو زمن: احفظ لسانك، وعالج قلبك، واخف مكانك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر.
وقال: لو أنّ الدنيا بحذافيرها عرضت عليّ لا أحاسب بها لكنت أتقذّرها كما يتقذّر أحدكم الجيفة إذا مرّ بها أن تصيب ثيابه.
وقال: ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس هو الشرك.
قال أبو عليّ سليمان الدارانيّ: صحبت الفضيل ثلاثين سنة، ما رأيته ضاحكا ولا متبسّما إلا يوم مات ابنه عليّ، فقلت له في ذلك، فقال: إن الله تعالى إذا أحبّ امرأ ابتلاه.
وقال: إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق حماري.
وأخباره كثيرة، وهذه اللمعة دالة عليها.
قوله: سدلت، أي أرخيت. مخازي: قبائح، وما يخزى عليها فاعلها لو اطّلع على فعله. دأبه ودأبي: عادته وعادتي. إيابي: رجوعي. مصر: مقيم. التدليس: تلبيس الأمر وكتمان العيب.
ويشبه عذل ابن همام السروجي في شرب الخمر ثم مساعدته إياه بعد لومه وشربه معه، قول ابن أبي ربيعة، وهو أحسن ما قيل في المساعدة: [الوافر]
وخلّ كنت عين النصح منه ... إذا نظرت ومستمعا سميعا (١)
أطاف بغيّة فنهيت عنها ... وقلت له: أرى أمرا شنيعا
أردت رشاده جهدي فلمّا ... أبى وعصى أتيناها جميعا
وقال أعرابي: [الطويل]
وكنت إذا علقت حبال قوم ... صحبتهم وشيمتي الوفاء
فأحسن حين يحسن محسنوهم ... وأجتنب الإساءة إن أساءوا
أشاء سوى مشيئتهم فآتي ... مشيئتهم وأترك ما أشاء
(١) الأبيات في ديوان عمر بن أبي ربيعة ص ٤٩٥.