وللشّحيح على أمواله علل ... يوسعنه أبدا ذمّا وتبكيتا
فجد بما جمعت كفّاك من نشب ... حتّى يرى مجتدي جدواك مبهوتا
وخذ نصيبك منه قبل رائعة ... من الزّمان تريك العود منحوتا
فالدهر أنكد من أن تستمرّ به ... حال، تكرّهت تلك الحال أم شيتا
فقال له الوالي: تالله لقد أحسنت، فأيّ ولد الرّجل أنت؟ فنظر إليه عن عرض، وأنشد وهو مغض: [المنسرح]
لا تسأل المرء من أبوه ورز ... خلا له ثمّ صله أو فاصرم
فما يشين السّلاف حين حلا ... مذاقها كونها ابنة الحصرم
***
قوله: تنشّق، أي شم. نشر: راحة. أزرى: عاب. مفتوتا: مدقوقا، يقول: لشكر المعروف عند أهل الجود أعطر من ريح المسك إذا فتّ فانتشرت رائحته.
وقال إبراهيم الشيبانيّ: كنت أرى رجلا من وجوه أهل الكوفة، لا يجفّ لبده، ولا يستريح قلبه في طلب حوائج الناس، وإدخال المرافق على الضعيف، فقلت له: أخبرني عن الحال التي هوّنت عليك هذا التّعب في القيام بحوائج الناس، ما هي؟ قال: قد والله سمعت تغريد الأطيار بالأسحار في فروع الأشجار، وسمعت خفوق أوتار العيدان وترجيع أصوات القيان، فما طربت من صوت قطّ طربي من ثناء حسن، بلسان حسن، على رجل قد أحسن، وما سمعت أحسن من شكر حرّ لرجل حرّ، ومن شفاعة محتسب لطالب شاكر، فقلت له: لله أبوك! لقد حشيت كرما، فلذة السمع هنا بمنزلة الشم في البيت.
خيّل: حسب، والضبّ والحوت قد تقدّما في الثامنة عشر.
قوله: الجامد الكفّ: هو البخيل، وهو ضدّ السّمح. ممقوتا: مبغوضا. علل:
أعذار. يوسعنه ذمّا، أي يكثرن ذمه، التبكيت: الهوان والتوبيخ جد: تكرّم. نشب: مال مجتدي جدواك: طالب عطاياك. مبهوتا: متحيّرا، يريد أنه يعجب من كثرة ما تعطيه فيتحيّر وما يدري كيف يشكرك!
[[ذم البخل ومدح الكرم]]
ومن مدح الكرم وذم البخل قالوا:
لو لم يكن في الكرم إلا أنه من صفات الله عز وجل.
وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله يحبّ الجود ومكارم الأخلاق ويذمّ سفسافها» (١).
(١) أخرجه الترمذي في الأدب باب ٤١، بلفظ: «إنّ الله جواد يحب الجود»، وفي النهاية في غريب-