فلمّا حللت بالرّيّ، وقد حللت حبا الغيّ، وعرفت الحيّ من اللّيّ، رأيت بها ذات بكرة، زمرة في إثر زمرة، وهم منتشرون انتشار الجراد، ومستنّون استنان الجياد، ومتواصفون واعظا يقصدونه، ويحلّون ابن سمعون دونه.
[الرّيّ]
قوله:«فلما حللت بالريّ»:
الريّ: أرض على جادّة خراسان، واسم مدينة الريّ المهديّة، سمّيت بهذا الاسم، لأنّ المهدي تولّاها في خلافة المنصور لما توجّه إلى خراسان لمحاربة عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزديّ، وبها ولد الرشيد، والمهديّ أقام بها عدة سنين فشيّد بناءها وأتقنه، وأرضع نساء الوجوه من أهلها الرشيد. وأهل الريّ أخلاط من العرب، والعجم قليل فيها. وافتتحها قرط بن كعب الأنصاريّ في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ويشرب أهلها من عيون كثيرة وأودية عظيمة، وبها واد عظيم يأتي من بلاد الديلم يقال له نهر عيسى، ولكثرة مياه البلد كثرت ثماره وجنّاته وأشجاره، وله رساتيق (١) وأقاليم.
ونسب إليها الرازيّ، وهو من شاذّ النسب.
وكتب الحجّاج إلى قتيبة بن مسلم: ما يقيمك بأرض الفراعنة والجبابرة! سر إلى خراسان، أرض الفضّة والعقيان، والجواري الحسان.
***
وتقدّم الحبا. والغيّ: الضلال، والعرب تقول: ما يعرف الحيّ من الليّ، والحوّ من اللوّ، تقوله لمن تستجهله وتنفي عنه الفطنة، وتصريفها أنّ الحيّ مصدر حويت الشيء حزته وجمعته، ولويت الرجل: مطلته ومنعته حقّه لوّا وليّا وليانا، فالحيّ مدح والليّ ذم، فكأنه إذا قال: عرفت الحيّ من الليّ إنما قال: عرفت الخير من الشرّ، وما يضرّ مما ينفع، وعرفت الحيّ من الليّ. وقبيلي من دبيري، إنما يستعملان في النفي. وتجوّز أبو محمد في استعمالهما في الإيجاب حيث كان أصلا للنفي.
الزّمرة: الجماعة، وتقول: فلان إثر فلان أي خلفه وقريبا منه، كأنه يتبع أثره إذا رفع هذا قدمه وضع الآخر قدمه في الموضع. منتشرون: متفرقون مستنّون: جارون.
متواصفون: يصفه بعضهم لبعض.
***
[[ابن سمعون الواعظ]]
ابن سمعون: هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن إسماعيل بن عيسى بن إسماعيل