ومن عجائبها الحافر، وهو حجر ياقوت، شبه حافر الفرس ألصقه أمير المؤمنين بمصحف عثمان.
والغريبة الثالثة: فرس ذهب لم يصنعه صانع، إنما وجد في معدن الذهب وهو عند ملك الحبشة بغانة.
والذي غشي فرعون وجنوده من اليمّ، هو الغرق. واليمّ: البحر الذي ذهبت نفوسهم فيه.
[[قصة موسى]]
ولا بدّ أن نلمّ بنبذة من خبره، نكمل بها القصّة حسبما شرطنا؛ وذلك أنّ موسى عليه الصلاة والسلام، لمّا خرج فارّا من فرعون حسبما قدمناه في الخامسة، توجّه إلى مدين، فبلغها كالّا جائعا فقيرا، فوجد الناس يسقون كما نص الله تعالى: وَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ [القصص: ٢٣]، أي يحبسان غنمهما، فأخبرتاه بأنهما لا يسقيان حتى يصدر الرعاء، وأن لهما أبا شيخا كبيرا، فرحمهما واقتلع الصخرة عن البئر- وكان لا يرفعها إلا نفر- فملأ وسقى لهما، ثم تولّى إلى ظلّ شجرة مثمرة فقال: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص: ٢٤]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال هذا موسى، ولو شاء إنسان أن ينظر إلى خضرة أمعائه من شدة الجوع لفعل- أراد خضرة البقل الذي أكل في طريقه- فرجعت الجاريتان بسرعة إلى أبيهما، فأنكر مجيئهما قبل الوقت الذي جرت العادة بمجيئهما فيه، فأخبرتاه خبر موسى، فأرسل إلى إحداهما فأتته وهي تستحيي منه، فقالت: إِنَّأَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا
[القصص:
٢٥]. فمشى معها، وهي بين يديه فضرب الريح ثوبها، فنظر إلى عجيزتها فقال لها:
امشي خلفي، ودلّيني على الطريق، فلما أتى الشيخ سأله عن شأنه، فقصّ عليه قصته فقال: لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص: ٢٥] فقالت التي دعته: يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص: ٢٦] فقال لها الشيخ: أما القوة فقد خبرته بقلع الصّخرة، فما يدريك أمانته؟ قالت له: إني مشيت أمامه فلم يحبّ أن يخونني وردّني خلفه. فقال له: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ [القصص:
٢٧] إلى آخر القصة.
فلما قضى أجله، وسار بأهله، وكان في شتاء، رفعت له نار فيما رأى فكانت من نور الله تعالى، فقال لأهله: امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً [القصص: ٢٩]، ومعنى تصطلون، أي من البرد فكان عند إتيانه لها ما أخبر الله تعالى من أنّه نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [النمل: ٨]. ثم قال له: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي أي أضرب بها ورق الشجر للغنم وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى [طه: ١٧ - ١٨]؛ من حمل الزاد عليها والسقاء