أخبر الحارث بن همام قال: أرقت ذات ليلة حالكة الجلباب. هامية الرّباب، ولا أرق صبّ طرد عن الباب، ومني بصدّ الأحباب، فلم تزل الأفكار يهجن همّي، ويجلن في الوساوس وهمي، حتى تمنّيت لمضض ماعانيت، أن أرزق سميرا من الفضلاء، ليقصّر طول ليلتي اللّيلاء، فما انقضت منيتي، ولا أغمضت مقلتي، حتى قرع الباب قارع، له صوت خاشع، فقلت في نفسي: لعلّ غرس التّمنّي قد أثمر، وليل الحظّ قد أقمر، فنهضت إليه عجلان، وقلتمن الطارق الآن! فقال: غريب أجنّة الليل، وغشيه السّيل، ويبتغي الإيواء لا غير، وإذا أسحر قدّم السير.
***
أرقت: سهرت ولم أنم، وفي حديث زيد بن ثابت: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرقا أصابني، فقال:«قل اللهمّ غارت النجوم، وهدأت العيون، وأنت حي قيوم، لا تأخذك سنة ولا نوم، يا حي يا قيوم، أهدئني ليلي، وأنم عيني». فقلتها فأذهب الله عنّي ما كنت أجده.
حالكة الجلباب: سوداء الثوب، هامية الرّباب: سائلة السحاب؛ يريد أن الليلة مظلمة ممطرة، صبّ: عاشق. طرد: نفي. مني ابتلى. صدّ: هجر. الأفكار: أحاديث النفس. يهجن: يحرّكن. ويجلن: يصرفن والوساوس الفكر المقلقة، وهمي: بالي وخاطري، وقال ابن شهيد في نحو هذه الليلة:[الكامل]