للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقامة الثّالثة وهي الدّيناريّة

روى الحارث بن همّام قال: نظمني وأخدانا لي ناد، لم يخب فيه مناد، ولا كبا قدح زناد، ولا ذكت نار عناد؛ فبينا نحن نتجاذب أطراف الأناشيد، ونتوارد طرف الأسانيد، إذ وقف بنا شخص عليه سمل، وفي مشيته قزل.

***

نظمني، أي جمعني. أخدانا؛ أي أصحابا. ناد: مجلس. مناد: متكلّم. كبا: شحّ ولم يبد نارا. قدح: ضرب. زناد: حديدة النار، وزناد العرب من خشب، وأكثر ما يكون من المرخ والعفار؛ وإنما هو أن يؤخذ عود قدر شبر، فيثقب في وسطه ثقب لا ينفذ، ويؤخذ عود آخر قدر ذراع، فيحدّ طرفه، ويجعل ذلك في الثّقب، وقد وضعه رجل بين رجليه، فيديره ويفتله، فيبدي النار، فالأعلى زند والسفلى زندة، والزّناد جمع زند.

قوله: «ذكت»، أي اشتعلت. عناد: خلاف، يريد أنّ هؤلاء الأصحاب لحسن أدبهم ومناظرتهم ليس بينهم خلاف، وهم علماء لا يسقط من كلامهم شيء، وليس فيهم جاهل، فيكون كلامه قليل الإصابة. والأناشيد: ما يتناشدونه من الأشعار بينهم، كأنّ واحدها أنشودة. وتجاذب أطرافها، يريد المشاركة في إنشادها، أي إذا أنشد أحدهم شعرا ليغرب به شاركوه في إنشاده لحفظهم الأشعار، فكأنهم تجاذبوه كما يتجاذب بأطراف الثوب. والأسانيد: الأخبار المسندة إلى أهلها. وأصل التوارد، مزاحمة الإبل على شرب الماء، فجعل مشاركتهم في ضبط غرائب الأخبار كتوارد الإبل على الماء، والطّرف: الغرائب، والطّرفة: الشيء العجيب من كل شيء، الذي لا يوجد له نظير.

سمل: ثوب خلق، وأكثر ما تقول العرب: ثوب أسمال وأخلاق، فيوصف بالجمع لأنه قطع متفرّقة. وسمل: قليل، وفي تبذّل اللباس روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب المتبذّل لا يبالي بما لبس». قزل: عرج.

***

فقال: يا أخاير الذّخائر، وبشائر العشائر، عموا صباحا، وأنعموا اصطباحا، وانظروا إلى من كان ذا نديّ وندى، وجدة وجدا، وعقار وقرى، ومقار وقرى، فما زال به قطوب الخطوب، وحروب الكروب، وشرر شرّ الحسود، وانتياب

<<  <  ج: ص:  >  >>