وكان عامة دعائه: اللهم انقلني من ذلّ معصيتك إلى عز طاعتك.
وقال لرجل في الطّواف: اعلم أنك لا تنال درجة الصالحين حتى تجوز ستّ عقبات، وهي أن تغلق باب النعمة وتفتح باب الشدة، وتغلق باب العزّ وتفتح باب الذلّ، وتغلق باب الراحة وتفتح باب الجهد، وتغلق باب النوم وتفتح باب السهر، وتغلق باب الغنى وتفتح باب الفقر، وتغلق باب الأمن وتفتح باب الاستعداد للموت.
وقال محمد بن المبارك الصوريّ: كنت مع إبراهيم بن أدهم في طريق بيت المقدس، فنزلنا وقت القيلولة تحت شجرة رمّان، فصلّينا ركعات، فسمعت صوتا من أصل الرمان: يا أبا إسحاق، أكرمنا بأن تأكل منا شيئا، فطأطأ رأسه فقال ذلك ثلاث مرات، ثم قال: يا محمد، كن شفيعا إليه ليتناول منّا شيئا، فقلت: يا أبا إسحاق، لقد سمعت، فقام وأخذ رمانتين، فأكل واحدة وناولني الأخرى، فأكلتها وهي حامضة، وكانت قصيرة، فلمّا رجعنا مررنا بها وهي شجرة عالية ورمّانها حلو، وهي تثمر في كلّ عام مرتين، وسمّوها رمانة العابدين.
وركب إبراهيم في مركب، فهاجت ريح شديدة، فلفّ إبراهيم رأسه بعباءة وطرح نفسه مع الناس، فسمعوا صوتا من البحر يقول: لا تخافوا ففيكم إبراهيم بن أدهم، وصاح الناس في المركب: أين إبراهيم بن أدهم؟ ثم سكنت الريح، فخرج وما عرفوه.
قال له رجل: من أين كسبك؟ فقال: [الطويل]
نرقّع دنيانا بتمزيق ديننا ... فلا ديننا يبقى، ولا ما نرقّع
وأخباره في كتب التصوّف كثيرة تطول
[[جبلة بن الأيهم]]
وأما جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث الأوسط بن ثعلبة بن الحارث الأكبر بن عمرو بن جفنة، وفي نسبه اختلاف.
وهو آخر ملوك غسان، وكان طوله اثني عشر شبرا، فإذا ركب مسح الأرض بقدميه.
ولما أراد أن يسلم كتب إلى عمر ليستأذنه في القدوم عليه، فسرّ بذلك وكتب إليه:
أن أقدم، فلك ما لنا وعليك ما علينا، فخرج في مائة فارس من عكّ وجفنة، فلما دنا إلى المدينة ألبسهم ثياب الوشي المنسوجة بالذهب الأحمر والحرير الأصفر، وجلل الخيل بجلال الديباج، وطوّقها أطواق الذهب والفضة، ولبس تاجه وفيه قرطا مارية، فلم يبق في المدينة إلا من خرج إليه، وفرح المسلمون بقدومه وإسلامه.
ثم حضر الموسم مع عمر، فبينما هو يطوف بالبيت إذ وطئ على إزاره رجل من فزارة فحلّه، فالتفت إليه جبلة مغضبا، فلطمه فهشم أنفه، فاستعدى عليه الفزاريّ عمر،