للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلمّا تطوّحت إلى مرو، ولا غرو، بشّرني بملقاه زجر الطّير، والفأل الّذي هو بريد الخير؛ فلم أزل أنشده في المحافل، وعند تلقّي القوافل. فلا أجد عنه مخبرا، ولا أرى له أثرا ولا عثيرا، حتى بلغ اليأس الطمع وانزوى التأميل وانقطع، فإنّي لذات يوم بحضرة والي مرو، وكان ممّن جمع الفضل والسّرو، إذ طلع أبو زيد في خلق مملاق، وخلق ملّاق. فحيّا الوالي تحيّة المحتاج، إذا لقي ربّ التاج، ثم قال له:

اعلم وقيت الذّم، وكيفيت الهمّ؛ أن من عذقت به الأعمال، أعلقت به الآمال، ومن رفعت له الدّرجات، رفعت إليه الحاجات. وأنّ السعيد من إذا قدر، وواتاه القدر، أدّى زكاة النّعم، كما يؤدّي زكاة النّعم، والتزم لأهل الحرم، ما يلتزم للأهل والحرم. وقد أصبحت بحمد الله عميد مصرك، وعماد عصرك، تزجى الرّكائب إلى حرمك، وترجى الرّغائب من كرمك، وتنزل المطالب بساحتك، وتستنزل الرّاحة من راحتك، وكان فضل الله عليك عظيما، وإحسانه لديك عميما.

***

قوله: تطوّحت، يقال: تطوّح في البلاد: ذهب به هاهنا وهاهنا، فأراد بقوله:

تطوّحت: رميت بنفسي إليها.

[مرو] (١)

مرو: بلدة بخراسان، جليلة لها قرى ومحلّات، وتسمّى أمّ خراسان، وهي دار خلافة المأمون، ومنها خرج أبو مسلم صاحب الدعوة، ينسب إليها. الثّوب مرويّ والرجل مروزيّ، وهو شاذ النسب، ومن مرو إلى مرو (٢) خمس مراحل، وعلى مرو نهر فوّهته بالسّابيان، وهو جبل عظيم الارتفاع، تسيل منه أنهار تخترق بلاد خراسان، منها وادي خوارزم، مسيرته أربعون يوما، ووادي القندهار مسافته شهر، ونهر سجستان، مسافتهشهر، ونهر مرو، مسافته شهر، ونهر هراة مسافته عشرون يوما، ونهر بلج مسافته اثنا عشر يوما، وبلخ هي متوسّطة خراسان، منها إلى فرغانة ثلاثون مرحلة مغربا، وإلى سجستان مما يلي القبله كذلك وإلى كابول وقندهار كذلك، وإلى خوارزم كذلك. وأهل مرو أطبع الناس على البخل ثم أهل خراسان، قال ثمامة: ما رأيت الدّيك يأكل في بلد


(١) هي مرو الشاهجان.
(٢) أي من مرو الروذ إلى مرو الشاهجان.

<<  <  ج: ص:  >  >>