للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قال شاعر من المشرق، وهو أحمد بن يونس الكاتب في مناقضة ابن الروميّ في تفضيله النرجس على الورد:

إن كنت تنكر ما ذكرنا بعد ما ... قامت عليه دلائل وشواهد

فانظر إلى المصفرّ لونا منهما ... وافطن فما يصفرّ إلا الحاسد

فلولا ما ذكرنا من أشعارهم، لحكمنا بهذا البيت، على أن نرجسهم هو نرجسنا، ومذهب ابن الروميّ تفضيله على الورد، وهو القائل: [المتقارب]

وأحسن ما في الوجوه العيو ... ن وأشبه شيء بها النّرجس

والنّفوس تتشوّق إلى رؤية نرجسهم، لأنّا لم نعلم نرجسنا غير هذا الأصفر، حتى نعلم بما ذكرناه أنّه هو النوّار المعروف، وهم أيضا يتشوّقون لمنظر نرجسنا.

ويدلّ على ذلك حكاية القاضي الفقيه أبي الحسن بن لبّال، قال: خرجت عشيّة لخارج إشبيليّة أيام حداثتي وقراءتي بها، فجلست في وسط واديها، وبيدي كتاب أنظر فيه، وإذا رجل يحملق حواليّ، فإذا نظرت في الكتاب يأخذ وينشد للأشعار التي بين أيدينا نظائر من بديع الشعر، فذاكرته فوجدته بحر أدب، فسألته عن محفوظه، فقال:

أحفظ خمسة عشر ألف بيت من الشعر، فسألته: هل تنظم شيئا؟ فأنشدني في وصف فرس، وزعم أنه القائل: [الكامل]

منع الحوافر أن تطين به الثّرى ... فكأنه في جريه متعلّق

وكأنّ أربعة توافق طرفه ... فتكاد تسبقه إلى ما يرمق

فاستعدت بيته، وراجعته في قوله: «تطين»، فقلت له: إنما هو «تطأن»، فلم يعرف اللفظ، وإنما تكلّم بلا همر على لحن عامته، فجرّبته في غيره، فوجدت شعره من جهة الطبع وكثرة الحفظ، لا من جهة العلم، فسألته عن بلاده، فقال: أنا من العراق، فقلت له: فما السّبب الذي جاء بك إلى الأندلس؟ فقال لي: لأرى النّرجس الأصفر المذكور في أشعاركم عيانا. ودعاني إلى الإطالة في ذكر النّرجس رغبة أن أرفع عن غيري حيرة الشبهة التي أقمت فيها زمانا طويلا، لا أجد من يرفعها عني.

[الوأواء الدّمشقي]

والبيت الذي اقتضى النّظم على أسلوبه هو لأبي الفرج الغسّاني الدّمشقي، المعروف بالوأواء، ذكره أبو منصور الثعالبي في يتيمته، فقال: أبو الفرج من حسان الدهر، وصاغة الكلام.

ومن عجائب أمره أنه كان مناديا بدار البطّيخ بدمشق ينادي على الفواكه، وما زال يشعر حتى جاد شعره، ووقع له ما يروق، ويشوق ويفوق، حتى تعلّق بالعيّوق.

<<  <  ج: ص:  >  >>