للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقامة الثانية وهي الحلوانيّة

حكى الحارث بن همام قال: كلفت مذ ميطت عنّي التّمائم، ونيطت بي العمائم، بأن أغشى معان الأدب، وأنضي إليه ركاب الطّلب لأعلق منه بما يكون لي زينة بين الأنام، ومزنة عند الأوام، وكنت لفرط اللهج، باقتباسه، والطّمع في تقمّص لباسه، أباحث كلّ من جلّ وقلّ، وأستسقي الوبل الطّلّ، وأتعلّل بعسى ولعلّ.

***

كلفت، أي اشتد حبي، والكلف: شدة الحبّ والمبالغة فيه، فلان كلف بفلان، أي مبالغ في محبّته، وميطت وأميطت: أزيلت. التمائم: الأحراز نيطت: علّقت، وإذا بلغ الصبيّ الحلم عند العرب أزلوا الأحراز عن عنقه، وألبس العمامة والإزار، وقلّد السيف، فأراد: أحببت مذ بلغت الحلم مجالس الأدباء. أغشى: أقصد وأدخل.

المعان: المنزل. أبو عبيد، يقال: البصرة معان منّا، أي منزل منا، قال المعري:

[الوافر]

* معان من أحبّتنا معان (١) *

فالأول اسم موضع معلوم جنّس به، وجعله منزل أحبابه، وقال بعضهم: سمي معانا لمعاينة الناس فيه بعضهم بعضا، أو لأن فيه أعيانا، أنضي: أهزل الركاب: الإبل، وجعل للطلب إبلا مجازا، وإنما يريد: أتعبت نفسي فرحلت إلى طلبه على الإبل، لأعلق منه: لأحصل منه على فائدة أتعلق بها، الأنام: الخلق مزنة: سحابة. الأوام: شدّة العطش؛ يريد أنه يتعب نفسه في طلب الأدب ليتزيّن به بين الناس؛ ويعيش به إذا احتاج إليه، فرط اللهج: شدّة الحب، يقال: قد لهج بالشيء، إذا أكثر الحديث به لحبه فيه، وحرصه عليه، ولهج الفصيل بالرّضاع، إذا لجّ فيه. اقتباسه: اكتسابه، التقمص: لبس


(١) عجزه:
تجيب الصاهلات به القيان
والبيت في سقط الزند ص ١٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>