للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله بالإمامة، في قصعة يكلّ عنها الطّرف، ويموج فيها الظّرف.

فلمّا أخذت من الخوان (١) مكانها، ومن القلوب أوطانها، قام أبو الفتح يلعنها وصاحبها، ويمقتها وآكلها، ويثلبها وطابخها، وظننّاه يمزح، فإذا الأمر بالضدّ، وإذا المزاح عين الجدّ، وتنحّى عن الخوان، وترك مساعدة الإخوان، فرفعناها فارتفعت معها القلوب، وسافرت خلفها العيون، وتحلبت لها الأفواه، [وتلمظت لها الشفاه] واتّقدت لها الأكباد، [ومضى في إثرها الفؤاد]، لكنّا سألناه عن أمرها، وساعدناه على هجرها.

ثم أخذ يذكر لهم المانع من أكلها، كما يذكر الآن السّروجيّ ومقامة المضيرة طويلة مضحكة.

***

فقال: إنّه كان لي جار لسانه يتقرّب، وقلبه عقرب، ولفظه شهد ينقع، وخبؤه سمّ منقع، فملت لمجاورته، إلى محاورته، واغتررت بمكاشرته، في معاشرته، واستهوّتني خضرة دمنته، لمنادمته، وأغرتني خدعة سمته، بمناسمته فمازجته وعندي أنّه جار مكاسر، فبان أنه عقاب كاسر، وآنسته على أنّه حبّ مؤانس، فظهر أنّه حباب موالس، وما لحته ولا أعلم أنّه عند نقده، ممّن يفرح بفقده، وعاقرته ولم أدر أنّه بعد فرّه، ممّن يطرب لمفرّه.

***

قوله: «جار لسانه يتقرّب»، معناه يتودّد إليه بلسانه، ويكتم العداوة في قلبه، وهذا ما يذكر بعده.

[[مما قيل في الجار]]

أبو هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من أشراط الساعة سوء الجوار تعوّذوا بالله من ثلاث، هنّ العواقر: إمام السوء، إن أحسنت لم يشكر، وإن أسأت لم يغفر، ومن جار السوء إن رأى حسنا ستره، وإن رأى قبيحا أذاعه، ومن امرأة السوء، الّتي إن غبت عنها خانتك، وإن دخلت عليها لسّنتك».

قال بعض الفضلاء: الجار السوء يفشي السّر، ويهتك السّتر.

وقيل لأهل البحرين: إن كنتم تحبون أن يحبكم الله ورسوله، فحافظوا على ثلاث خصال: صدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن الجوار، فإن أذى الجار يمحو الحسنات، كما تمحو الشمس الجليد عن الصّفاة.

***


(١) الخوان: هو الذي يوضع عليه الطعام.

<<  <  ج: ص:  >  >>