للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها العتّابية، وهي مدينة يصنع فيها الثّياب العتّابية، وهي حرير وقطن مختلفات الألوان، وأسماء سائر المحلّات يطول ذكرها، وأمّا الشرقيّة فهي محدثة وهي حفيلة الأسوار، عظيمة الترتيب، تشمل من الخلق على بشر كثير لا يحصيهم، إلا الذي أحصى كلّ شيء عددا. وبالشرقيّ محلة الرّصافة، وبها كان باب الطّاق المشهور على الشطّ، وبإزائها محلّة كبيرة تعرف بقبر أبي حنيفة رحمه الله، فيها قبّة سامية في الهواء بيضاء، فيها قبر الإمام أبي حنيفة، وبالقرب منها قبر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.

وحمّامات بغداد لا تحصى، أخبرني بعض أشياخها، أن فيها اليوم ألفي حمّام، وأكثرها مطليّة بالقار، مسطّحة به، فيخيّل للناظر فيها أنها رخام أسود صقيل، وأكثر حمامات هذه الجهة على هذه الصفة، لكثرة القار عندهم، وشأنه عجيب، لأنّه منبع عين بين البصرة والكوفة، يصير القار في جوانبها كالصّلصال، فيجرف ويجلب، وقد انعقد فسبحان خالقه!

وببغداد من المدارس نحو الثلاثين، ما منها مدرسة إلّا كالقصر العظيم، وأعظمها النظاميّة. وبساتين بغداد وحدائقها بالغربيّة، ومنها تجلب الفواكه للشرقيّة، والعادة أبدا أن يكون بين الشرقيّة والغربية جسران لجواز النّاس، ومع ذلك فمن يعبر بينهما من النّاس في الزوارق لا يحصى، وذلك لكثرة النّاس، وزوارقها لا تحصى، والنّاس ليلا ونهارا من معاينة العبور فيها في نزهة متصلة رجالا ونساء.

وبالجملة فشأن هذه البلدة أعظم من أن يوصف، وأين هي اليوم مما كانت عليه! هى اليوم داخلة تحت قول حبيب: [الكامل]

* لا أنت أنت ولا الدّيار ديار* (١)

ثم ذكر ابن جبير أهلها فذمّهم بكلّ عيب؛ من الكبرياء وبيع الربا، ثم استثنى فقهاءها ووعاظها.

***

[[مما قيل في الشعر والشعراء]]

قوله: «مع مشيخه من الشعراء»، قال الخليل في مدح الشّعراء: هم أمراء الكلام يصرّفونه أنّى شاءوا وجائز لهم ما لا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى، وتقييده ومدّ مقصوره وقصر ممدوده، والجمع بين لغاته والتفريق بين صفاته.

وسئل غيرهم عنهم، فقال: ما ظنّك بقوم الاقتصاد محمود إلا منهم، والكذب مذموم إلا بينهم!


(١) عجزه:
خفّ الهوى وتولّت الأوطار
والبيت في ديوان أبي تمام ص ١٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>