قوله: «الذي زيّن الجباه بالطرر .. »، إلى آخر يمينه، إنما ذكر صفات الحسن شيئا بعد شيء، ليري هذا الوالي كمال الغلام، فيشتدّ حبّه فيه، فإذا ذكر صفة من صفاته نبّه الوالي بذكرها على النّظر إليها، فوجدها كما يصف، فهو الآن في هذه اليمين يجلو محاسن الغلام عليه.
الطّرر: جمع طرّة، وهي اعتدال الشعر على الجبهة، والطّرّة عندهم أن يقطع للجارية من مقدّم ناصيتها حتى لا يبلغ الشعر حاجبيها، فيبقى ما بين شعر ناصيتها وحاجبيها من جبهتها نقيّا، والشعر عليها معتدل، كطرة الثوب ثم تسمّى الشعور الحسان طررا.
أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث فاتنات: الشّعر الحسن، والوجه الحسن، والصوت الحسن».
عائشة رضي الله عنها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ملائكة السماء يسبّحون بذوائب النساء وبلحى الرجال، فيقولون: سبحان الّذي زيّن الرجال باللحى، والنساء بالذوائب».
قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد أحدكم أن يتزوّج المرأة فليسأل عن شعرها كما يسأل عن وجهها».
قالوا: الشعر الحسن يزيد الوجه حسنا وجمالا، وقال ابن صارة- وكأنه وصف طرة هذا الغلام- يصف بها أبا الفضل بن الأعلم، وكان من أجمل الناس وأذكرهم في علم النحو والأدب، وقرأ النحو قبل أن يلتحى، فقال فيه: [الكامل]
أكرم بجعفر اللبيب فإنه ... ما زال يوضح مشكل «الإيضاح»
ماء الجمال بخدّه مترقرق ... فالعين منه تجول في ضحضاح
ما خدّه جرحته عيني، إنّما ... صبغت غلالته دماء جراحي
لله زاي زبرجد في عسجد ... في جوهر في كوثر في راح
ذي طرّة سبجيّة ذي غرّة ... عاجيّة كالليل والإصباح
رشأ له خدّ البريء ولحظه ... أبدا شريك الموت في الأرواح
***
[[مما قيل في الحسن والجمال]]
ونذكر بعد هذا الحور في العينين، وهو شدة بياض البياض وسواد الكحل، وكلّ ذلك عندهم ممدوح. وقد أكثر الشعراء من وصف ذلك حتى لو تركنا ذكره لشهرته لكان لنا فيه عذر، على أنّا نلمّ ببعض ما قيل في ذلك، وأمّا ما يزهّد فيه من ذلك، ويقلّ ذكره في أشعارهم فالزّرق؛ على أنه قد جاء في حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الزرق في العينين يمن».