فجعنا به لمّا رجونا إيابه ... على خير حال، لا وليدا ولا قحما (١)
وهلك المتلمّس في الجاهليّة ببصرى.
***
فإذا فيها مكتوب: [الطويل]
قل لوال غادرته بعد بيني ... سادما نادما يعضّ اليدين
سلب الشيخ ماله، وفناه ... لبّه، فاصطلى لظى حسرتين
جاد بالعين حين أعمى هواه ... عينه فانثنى بلا عينين
خفّض الحزن يا معنى فما يج ... دي طلاب الآثار من بعد عين
ولئن جلّ ما عراك كما ج ... لّ لدى المسلمين رزء الحسين
فقد اعتضت منه فهما وحزما ... واللّبيب الأريب يبغي ذين
فاعص من بعدها المطامع واعلم ... أنّ صيد الظّباء ليس بهين
لا ولا كلّ طائر يلج الف ... خّ ولو كان محدقا باللّجين
ولكم من سعى ليصطاد فاصط ... يد ولم يلق غير خفّي حنين
***
قوله: «غادرته»، أي تركته. يعضّ اليدين: تندما. سادما. متغيّرا، والسادم:
المتغيّر العقل من الغمّ، من قولهم: ماء سدم، ومياه سدم وأسدام، أي متغيّرة، وقيل:
السّديم: الحزين الذي لا يطيق ذهابا ولا مجيئا، من قولهم: بعير مسدّم، إذا منع من الضّراب، فكأنّ الحزين منع من الذهاب والمجيء، فيقول: تركته يعضّ يديه تندما وتلهّفا. اللظى: لهب النار، وقد لظت النار: علا لهبها؛ فيريد أنّ الشيخ أخذ ماله والفتى عقله، فاحترق بنار فجعتين جاد: سمح. العين: الذهب. هواه: تعشّقه وميله: انثنى.
رجع. بلا عينين، أي بغير مال ولا بصر. خفّض: سكّن. معنى: معذّب. يجدي: ينفع، والعين هاهنا: الشخص.
***
[[قصة المثل: طلب أثرا بعد عين]]
وقولهم: طلب أثرا بعد عين، كأنّ رجلا تمكّن من عدوّه أو من صيد ليرميه، فتراخى عنه حتّى فاته، ثم شدّ في طلبه بعد الفوت؛ وأوّل من قال ذلك مالك بن عمرو العامريّ؛ وكان بعض ملوك غسان أخذه وأخاه سماكا بسبب قتيل كان له في عمالته،
(١) القحم الرجل المتناهي سنا.