للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحبسهما زمانا، ثم قال لهما: إني قاتل أحدكما، فجعل كلّ واحد منهما يقول: اقتلني مكان أخي، فقتل سماكا وخلّي مالكا، فقال سماك حين ظنّ أنهمقتول: [المتقارب]

وأقسم لو قتلوا مالكا ... لكنت لهم حيّة راصده (١)

برأس سبيل على مرقب ... ويوما على طرق وارده

أأمّ سماك فلا تجزعي ... فللموت ما تلد الوالده

وانصرف مالك إلى قومه، فلبث فيهم زمانا. ثم إن ركبا مرّوا بهم وأحدهم يغنّي بهذا البيت: [المتقارب]

* وأقسم لو قتلوا مالكا*

فسمعت بذلك أمّ سماك، فقالت: يا مالك، قبّح الله الحياة بعد سماك! اخرج في طلب ثأر أخيك، فخرج فلقي قاتل أخيه في ناس من قومه، فقال: من أحسّ لي الجمل الأحمر! فعرّفوه، فقالوا له: لك مائة من الإبل، وكفّ عنه، فقال: لا أطلب أثرا بعد عين، فذهبت مثلا، ثم حمل على قاتل أخيه فقتله.

***

قوله: «جلّ»، أي عظم. عراك: قصدك. رزء الحسين: المصاب بقتله حين قتل بكربلاء.

وحديثه أن معاوية لمّا مات أرسل إليه أهل الكوفة أن قد حبسنا أنفسنا على بيعتك.

وطولب بالمدينة أن يبايع يزيد، فخرج إلى مكة، وأرسل ابن عمّه مسلم بن عقيل إلى الكوفة وقال له: إن كان حقّا ما كتبوا به، فعرّفني ألحق بك.

فخرج من مكّة للنصف من رمضان، وقدم [الكوفة] لخمس خلون من شوّال، وأميرها النّعمان بن بشير، فدخل مستترا، فبايعه من أهلها ثمانية عشر ألفا. فكاتبه بذلك.

فلمّا همّ بالخروج لقيه ابن عباس رضي الله عنهما، فقال له: يا بن عمّ، أهل العراق أهل غدر، وإنّما يدعونك للحرب، فقال له: يا ابن عمّ، كتب إليّ مسلم باجتماع أهل الكوفة عليّ، فقال له: قد جرّبتهم، وهم أصحاب أبيك وأخيك. وقتلتك غدا مع أميرهم، إذا بلغ ابن زياد خبرك استفزّهم، فكان الذين كتبوا إليك أشدّ عليك عن عدوّك، فإن أبيت إلّا الخروج فلا تخرجنّ بنسائك وولدك معك، فإنّي لخائف أن تقتل كما قتل عثمان، ونساؤه وولده ينظرون إليه. فردّ عليه: لأن أقتل بموضع كذا، أحبّ إليّ من أن أستحلّ بمكة.


(١) الأبيات لسماك بن عمرو العاملي في لسان العرب (لوم)، وخزانة الأدب ٩/ ٥٣٤.
ويروى صدر البيت الأول:
فأقسم لو قتلوا خالدا

<<  <  ج: ص:  >  >>