حكى الحارث بن همّام قال: يمّمت ميافارقين، مع رفقة موافقين، لا يمارون في المناجاة، ولا يدرون ما طعم المداجاة، فكنت بهم كمن لم يرم عن وجاره، ولا ظعن عن أليفه وجاره. فلمّا أنخنا بها مطايا التّسيار، وانتقلنا عن الأكوار إلى الأوكار، تواصينا بتذكار الصّحبة، وتناهينا عن التّقاطع في الغربة، واتّخذنا ناديا نعتمره طرفي النّهار، ونتهادى فيه طرف الأخبار، فبينا نحن به في بعض الأيام، وقد انتظمنا في سلك الالتئام، وقف علينا ذو مقول جريّ، وجرس جهوريّ، فحيّا تحيّة نفّاث في العقد، قنّاص للأسد والنّقد، ثم قال:
***
يمّمت: أي قصدت.
[[ميافارقين]]
ميّافارقين، بلدة منها إلى نصيبين ثلاثون فرسخا، وميافارقين بديار بكر، وهي من كور الجزيرة، وكان تملّكها سيف الدولة، وذكرها المتنبي، فقال:
نجانف عن ذات اليمين كأنّها ... ترقّ لميّافارقين ونرحم
الفنجديهي: سمعت بعض الأدباء يقول: سمّيت ميافارقين، لأنّ ذا الرمّة أو غيره من العشاق، لو وصل إليها بالاتّفاق، وشاهد وجوه أهلها الملاح، والعيون السقيمة الصحاح، وعاين رشاقة القدود، ولباقة الخدود، وسواد الطّرر، وبياض الغرر، وسمرة الشّفاه اللعس، وحمرة الوجنات والجباه الملس، لقال لصاحبته: ميّافارقيني، ولا ترافقيني، فلا يجوز التيمم مع وجود الماء، ولا حاجة إلى الدواء بعد البرء والشفاء.
***
قوله:«يمارون» أي يجادلون ولا يخالفون. المناجاة: المحادثة المداجاة: المساترة بالعداوة. لم يرم: لم يزل. يقال ما رامني ولا يريمني، أي لم يبرح عني ولا زال، ولا يقال إلّا منفيّا وجاره: بلده، وأصله الجحر: ظعن: رحل. أليفه: صاحبه. الأكوار: