للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متفرقهم، وجعل للأدب لحمة مجازا، وجعل الأدب يجمعهم كما يجمع بني العلّات الأب، والبلاد تفرّقهم، كما تفرّق بني العلّات الأمهات.

[[المودة بين الشعراء]]

وهذا نحو ما يحكى أنّ دعبلا ذكر عند عليّ بن الجهم فكفّره ولعنه، وقال: كان يظهر على أبي تمام وهو خير منه، دينا وشعرا، فقال له بعض منحضر: لو أن أبا تمام أخوك ما زدت على مدحك له، فقال: إن لم يكن أخي في النّسب، فهو أخي في المودّة والأدب، أما سمعت ما خاطبني به وأنشد لأبي تمام: [الكامل]

إن كان يجمعنا الإخاء فإننا ... نغدو ونسري في إخاء تالد (١)

أو يفترق نسب يؤلف بيننا ... أدب أقمناه مقام الوالد

وكرّر أبو تمام هذا المعنى، فأحسن بقوله: [البسيط]

ذو الودّ مني وذو القربى بمنزلة ... وإخوتي أسوة عندي وخلّاني

عصابة جاورت آدابهم أدبي ... فهم وإن فرّقوا في الأرض جيراني

أرواحنا في مكان واحد وعدت ... أجسامنا في عرق أو خراسان

وأنشد إسحاق الموصلي: [الطويل]

يقولون لي هل من أخ أو قرابة ... فقلت لهم إن الشّكول أقارب

نسيبي في رأيي وعزمي ومذهبي ... وإن باعدتنا في الولاء المناسب

وليس أخي إلا الصحيح وداده ... ومن هو في وصلي وقربي راغب

وكان لسليمان بن وهب نديم يأنس به، فعربد عليه ليلة فاطّرحه وجفاه فوقف له بالطريق، فلما مرّ به وثب إليه، ثم قال: أيّها الوزير، لا تكن في أمري إلا كما قال عليّ ابن الجهم: [البسيط]

القوم أخدان صدق بينهم نسب ... من المودة لم يعدل به نسب

تراضعوا درة الصّهباء بينهم ... فأوجبوا لرضيع الكأس ما يجب

لا يحفظون على السّكران زلّته ... ولا يريبك من أخلاقهم ريب

فقال: قد رضيت عنك رضا صحيحا، فعد لشأنك.

قوله الرتب: أي المنازل الرفيعة، مثل كواكب الجوزاء، أي في الإضاءة والرفعة، والجملة المتناسبة الأجزاء، أي المتّفقة، يعني مقاديرهم في الفضل وغيره متساوية لا تفاضل بينهم، كالجملة التي لا مزية لبعضها على بعض، وأقل جملة حسابية أجزاؤها


(١) البيتان في ديوان أبي تمام ص ٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>