للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فترى الذباب بها يغني وحده ... هزجا كفعل الشّارب المترنّم (١)

وإنما ذكر الحريريّ الرّبوة، لأن النّبات فيها أحسن وأسلم من نبات الانخفاض، لأن نبات الانخفاض وخم، قال الله تعالى: كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ [البقرة: ٢٦٥]، وقال المتنبي: [الطويل]

* نحن نبت الرّبّا وأنت الغمام (٢) *

قوله: دماثتهم قيد الألحاظ، أي سهولة أخلاقهم تقيّد عيون الناظرين إليهم؛ حتى لا ينظروا إلى غيرهم، قال ابن المعتز: [السريع]

منظره قيد عيون الورى ... فليس خلق يتلقّاه

نحوتهم: قصدتهم، شغفا: حبّا.

***

فلمّا انتظمت عاشرهم، وأضحيت معاشرهم، ألفيتهم أبناء علات، وقذائف فلوات؛ إلا أنّ لحمة الأدب، قد ألّفت شملهم ألفة النسب؛ وساوت بينهم في الرّتب؛ حتّى لاحوا مثل كواكب الجوزاء، وبدوا كالجملة المتناسبة الأجزاء، فأبهجني الاهتداء إليهم وأحمدت الطّالع الّذي أطلعني عليهم، وطفقت أفيض بقدحي مع قداحهم، وأستشفي برياحهم لأبراحهم، حتّى أدتنا شجون المفاوضة، إلى التحاجي بالمقايضة، كقولك إذا عنيت به الكرامات: ما مثل النّوم فات؛ فأنشأنا نجلو السّها والقمر، ونجني الشّوك والثّمر.

***

انتظمت: سرت معهم في نظام واحد، والنظام الجوهر. معاشرهم: مصاحبهم ألفيتهم: وجدتهم، أبناء علّات، أي غرباء من بلاد مختلفة، وبنو العلّات: الذين أبوهم واحد وأمّهاتهم شتى قذائف فلوات، أي قد رمت بهم القفار، والطرق المختلفة واحدتها قذيفة، وهي التي يقذف أي يرمى بها. لحمة، أي قرابة. ألفت شملهم: أي جمعت


(١) يروى صدر البيت:
وخلا الذباب بها فليس ببارح
وهو في ديوان عنترة ص ١٩٧، وأساس البلاغة (هزج).
(٢) صدره:
أين أزمعت أيهذا الهمام
والبيت في ديوان المتنبي ٣/ ٣٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>