أغمض: سامح وسد عينيه عمّا لم يرض، والفطن: الذكي. التغابي: المتجاهل عن الشيء وهو عارف به، وهو مما يحمد به الرجل، قال حبيب: [الكامل]
ليس الغبيّ بسيّد في قومه ... لكنّ سيّد قومه المتغابي (١)
ونضح بالماء: غسل. المحابي: الذي يفضّلني على غيري، وحباني: اختصني بالعطية، وأصل حاباه أن تعطيه ويعطيك، وقد يكون في معنى «حباه». الغمر: الجاهل ذي غمر: صاحب عداوة. متجاهل: مستعمل للجهل وهو على خلافه؛ يقول؛ إن سدّ عينيه عن عيبي فطن ذو عقل، أو تغابى حين يبصر لي خطأ، أو رأى لي ذلك العيب محبّ، فجعل يغسله عنيّ لمحبته لكلامي؛ فلا أخلص مع ذلك إما من جاهل يعيب ما لا يفهم، أو من عارف يظهر لي عداوة وحسدا، فيردّ حسني قبيحا، وهو عارف بحسني؛ فيشيع في الناس أن المقامات أكاذيب، وهو عارف بفضلها وما قصد بها.
[[ما قيل في الحقد]]
والغمر: الحقد، وصاحبه مذموم، ولا أعرف من تعرّض من الفصحاء لمدح حامله سوى ما يحكى أن عبد الملك بن صالح جيء به إلى الرشيد في قيوده، فقال له ابن خالد- وأراد أن يبكّته: بلغني أنك حقود، فقال عبد الملك: أيها الوزير، إن كان الحقد هو بقاء الخير والشر؛ إنهما لباقيان في صدري- وفي رواية أخرى: إنما صدري خزانة تحفظ ما استودعت من خير أو شرّ- فقال الرشيد: والله ما رأيت أحدا احتجّ للحقد بمثل ما احتجّ به عبد الملك، ففتح الباب لابن الروميّ، فقال يخاطب بعض من عابه بالحقد:
[الطويل]
لئن كنت في حفظي لما أنا مودع ... من الخير والشرّ انتحيت على عرضي
لما عبتني إلّا بفضل أمانة ... وربّ امرئ يزري على خلق محض
ولولا الحقود المستكنّات لم يكن ... لينقض وترا آخر الدّهر ذو نقض
وما الحقد إلّا توأم الشّكر في الفتى ... وبعض السجايا ينتسبن إلى بعض
فحيث ترى حقدا على ذي إساءة ... فثمّ ترى شكرا على حسن العوض
ثم رجع إلى الطريقة المثلى، فانتحل المذهب الأعلى، وقال يعيبه، ضاربا بسهم البلاغة في الوجهين: [البسيط]
يا مادح الحقد محتالا له شبها ... لقد سلكت إليه مسلكا وعثا
يا دافن الحقد في ضعفي جوانحه ... ساء الدّفين الذي أضحت له جدثا
الحقد داء دويّ لا دواء له ... يري الصدور إذا ما جمره حرثا
(١) البيت في ديوان أبي تمام ص ١٥٤.