للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسم الله الرّحمن الرّحيم

المقامة الثالثة والثلاثون وتعرف بالتّفليسيّة

حكى الحارث بن همّام، قال: عاهدت الله مذ يفعت، ألّا اؤخّر الصّلاة ما استطعت؛ فكنت مع جوب الفلوات، ولهو الخلوات، أراعي أوقات الصّلاة، وأحاذر من مأتم الفوات. وإذا رافقت في رحلة، أو حللت بحلّة، مرحبت بصوت الدّاعي إليها، واقتديت بمن يحافظ عليها.

فاتّفق حين دخلت تفليس، أن صلّيت مع زمرة مفاليس فلمّا قضينا الصّلاة، وأزمعنا الانفلات، برز شيخ بادي اللّقوة، بالي الكسوة والقوّة، فقال: عزمت على من خلق من طينة الحرّية، وتفوّق درّ العصبيّة، إلّا ما تكلّف لي لبثة، واستمع منّي نفثة، ثم له الخيار من بعد، وبيده البذل والرّدّ. فعقد له القوم الحبا، ورسوا أمثال الرّبا.

يفعت: شببت ولم أبلغ الحلم، وقاربت ذلك.

ابن أبي الخير: يفع الغلام وأيفع، إذا كان ابن سبع سنين، فإذا ناهز الحلم قيل:

مراهق وكوكب، فإذا أدرك قيل: فيه حزوّر.

غيره: غلام يفعة غضّ الشباب، وجارية يفعة، والجمع أيفاع وأيفع، فهو يافع على غير قياس. قال ابن سيده رحمه الله: ولم يقل أحد منهم يفع الغلام، ولا موفع، ومثله أبقل الموضع، وأورس، والورس: نبت أصفر. جوب: قطع. الخلوات: حيث يخلو للذاته. أراعي أحفظ. مأثم: إثم. الفوات فوت الوقت. رافقت في رحلة: صاحبت في ارتحال وسفر. حللت: نزلت ببلدة. والحلّة: جماعة البيوت، والحلّة: القوم الحلول والجمع حلال. مرحبت: قلت مرحبا. الدّاعي: هو المؤذّن.

[[فضل الصلاة في وقتها]]

وجاء من الأثر في تأخير الصلاة قوله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الرجل ليصلّي الصلاة وما فاته وقتها، ولما فاته من وقتها أعظم أو أفضل من أهله وماله» (١). فهذا وقد أدرك آخر الوقت سيندم على فوات أوله.


(١) أخرجه مالك في الوقت حديث ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>