حدّث الحارث بن همّام، قال: لهجت مذ اخضرّ إزاري، وبقل عذاري، بأن أجوب البراري، على ظهور المهاري، أنجد طورا، وأسلك تارة غورا؛ حتّى فليت المعالم والمجاهل، وبلوت المنازل والمناهل، وأدميت السّنابك والمناسم، وأنضيت السّوابق والرّواسم فلمّا مللت الإصحار، وقد سنح لي أرب بصحار، ملت إلى اجتياز التّيار، واختيار الفلك السّيّار، فنقلت إليه أساودي، واستصحبت زادى ومزاودي، ثم ركبت إليه ركوب حاذر ناذر، عاذل لنفسه عاذر فلمّا شرعنا في القلعة، ورفعنا الشّرّع للسّرعة، سمعنا من شاطئ المرسى، حين دجا اللّيل وأغسى، هاتفا يقول: يا أهل ذا الفلك القويم، المزجّى في البحر العظيم، بتقدير العزيز العليم، هل أدلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم! فقلنا: أقبسنا نارك أيّها الدّليل وأرشدنا كما يرشد الخليل الخليل.
***
لهجت أي اشتدّ حبّي، وأصله في الفصيل إذا رضع أمه، يقال: لهج بضرع أمّه، إذا لزمه ليرضعه، اخضرّ إزاري، كنى به عن الشباب، وكانت العرب إذا بلغ منها الغلام الحلم وأشعر لبس الإزار ليستر عورته. بقل عذاري: اخضرّ شاربي، وبدا الشعر في وجهي أخضر مثل البقل.
[[مما قيل في العذار]]
ونذكر هنا شيئا مما قيل في العذار، قال أبو نواس:[الكامل]
من أين للرشإ الأغنّ الأحور ... في الخدّ مثل عذاره المتحيّر
قمر كأنّ بعارضيه كليهما ... مسكا تساقط فوق ورد أحمر