للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واصبر على ما ناب من فاقة ... صبر أولى العزم وأغمض عليه

ولا ترق ماء المحيّا ولو ... خوّلك المسئول ما في يديه

فالحرّ من إن قذيت عينه ... أخفي قذى جفنيه عن ناظريه

ومن إذا أخلق ديباجه ... لم ير أن يخلق ديباجتيه

***

فلق: شقّ من بين شفتيه، نحت: نجر، أراد إنشاء قصائده. والقوافي، من قفوت الشيء، إذا تتبعته، وسميت بذلك الاتباع بعضها بعضا. القلّ: القلّة. المتراقي: المرتفع، لبدتيه. شعر متلبد على كفله وبين كتفيه، ناب: نزل. فاقة: فقر. أغمض، أي استره واغفل عنه، والمحيّا: الوجه، خولك: ملكك. الناظر: سواد العين، فيريد أنه إذا وقع في عينيه قذى وهو السقط على شدّة إذايته، احتمله الحرّ الكريم وصبر عليه، وأخفاه من ناظريه: تجلد، أي أخفي أذى بعض العينين عن بعض، وهذا غاية في المبالغة، ديباجه:

ثوبه، والديباج: ثوب رفيع، ديباجتيه: خدّيه، وقيل ديباجة الخدّ حسن بشرته، وأخلق الشيء، وأخلقه غيره لازم ومتعدّ: يقول: إذا افتقرت وبلي ثوبك فلا تبذل وجهك لأحد، ولا تهنه بالسؤال، وهذا من قول حبيب: [البسيط]

ذلّ السؤال شجا في حلق معترض ... من دونه شرق من خلفه حرض (١)

ما ماء كفك إن جادت وإن بخلت ... من ماء وجهي إذا أفنيته عوض

وقال في ابن الزيات: [البسيط]

اعطى ونطفة وجهي في قراراتها ... يصونها الوجنات الغضّة القشب (٢)

ويقول: لم يخلق وجهي سؤال، فوجهي غضّ جديد، والنطفة: ماء الوجه الذي نهى الحريري عن إراقته حين قال: [السريع]

ولا ترق ماء المحيّا ولو ... خوّلك المسئول ما في يديه

[[أبو تمام وعبد الصمد بن المعذل]]

قال الصوليّ: كان حبيب رحمه الله تعالى لا يجيب هاجيا، ترفّعا عنه، فانحدر إلى البصرة والأهواز يمدح من بهما، فكتب إليه عبد الصمد بن المعذل: [الخفيف]

أنت بين اثنتين تبرز للنّاس ... س بكلتيهما بوجه مذال

لست تنفك طالبا لوصال ... من حبيب أو طالبا لنوال


(١) البيتان في ديوان أبي تمام ص ١٤٩.
(٢) البيت في ديوان أبي تمام ص ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>