للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل لقوم من العرب: من سيّدكم؟ فقالوا: فلان على بخل فيه، فقال عليه الصلاة والسلام: «وأيّ داء أدوى من البخل» (١)!

وقال تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: ٩].

وقال المأمون لمحمد بن عباد: أنت متلاف، فقال: منع الجود سوء ظن بالمعبود، يقول الله عز وجل: وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ: ٣٩].

وقال كسرى: عليكم بأهل السخاء والشجاعة؛ فإنهم أهل حسن الظن بالله، ولو أن أهل البخل لم يدخل عليهم من ضرّ بخلهم ومذمة الناس لهم وإطباق القلوب على بغضهم، إلا سوى ظنّهم بربهم في الخلف لكان عظيما، أخذه محمود الوارق فقال: [الطويل]

من ظنّ بالله خيرا جاد مبتدئا ... والبخل من سوء ظنّ المرء بالله

وخوّف بخيل سخيّا الإملاق والفقر، فردّ عليه السخيّ، يقول: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا [البقرة: ٢٦٨].

وقال الحسن والحسين لعبد الله بن جعفر: إنك قد أسرفت في بذل المال، فقال:

بأبي أنتما وأميّ! إن الله عوّدني أن يتفضّل عليّ، وعوّدته أن أتفضّل على عبيدة، فأخاف أن أقطع العادة فيقطع عني عادته.

قوله: وخذ نصيبك منه قبل رائعة. الرائعة الشيبة، لأنها تروّع الإنسان أي تفزعه، وتعلمه أنها تأتيه بالكبر والهرم. والعود المنحوت، أراد به الجسم اليابس لأنّ الهرم يذهب نعمة الجسم، وأصل المنحوت المنجور.

وأراد بقوله: خذ نصيبك قوله عليه الصلاة والسلام: «يقول ابن آدم: مالي مالي، وماله من ماله إلا ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فأمضى» (٢).

[[مما قيل في الشيب]]

وقال الشاعر في الرائعة: [البسيط]

أهلا برائعة للشيب واحدة ... تفني الشباب وتنهانا عن الغزل

وقال أبو الطيب المتنبي: [الكامل]

راعتك رائعة المشيب بعارضي ... ولو انها الأولى لراع الأسحم (٣)


- الحديث لابن الأثير الجزري ٢/ ٢٧٣: «إنّ الله يحب معالي الأمور ويبغض سفاسفها»، وفي حديث آخر: «إنّ الله رضي لكم مكارم الأخلاق وكره لكم سفاسفها».
(١) أخرجه البخاري في الخمس باب ١٥، والمغازي باب ٧٣، وأحمد في المسند ٣/ ٣٠٨.
(٢) أخرجه مسلم في الزهد حديث ٤، وأحمد في المسند ٢/ ٣٦٨، ٤١٢.
(٣) البيتان في ديوان المتنبي ٤/ ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>