وكسرى أنوشروان هو الذي بنى سور الأبواب وهو من عجائب الدنيا فلما بناه هادته الملوك وكاتبته. وهو الذي افتتح كثيرا من بلاد الشأم الرومية، ونقل منها الرخام إلى العراق. وقيل: إن النبي صلّى الله عليه وسلم ولد لاثنتين وعشرين سنة من ملكه، وقيل: إنه ولد في آخر ملكه كما قدّمنا.
ثم ولي من بعده ابنه هرمز، وكان مضعّفا، غزته الملوك وطمعت فيه، ثم خلعته الفرس، وسملت عينيه.
وعقد الملك لابنه أبرويز في حياته، فبعد حروب شديدة اجتمع لأبرويز أمره، وكان وزيره بزرجمهر أكثر الفرس حكما ومواعظ.
وفي ملكه كانت وقعة ذي قار بين بكر بن وائل، والهرمز صاحب أبرويز، لأربعين سنة لمولد النبي صلّى الله عليه وسلم. وقيل إنها كانت في غزوة بدر- وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «هذا يوم انتصفت فيه العرب من العجم وبي نصرت».
وكان على مربط أبرويز خمسون ألف دابّة وألف فيل، فخرج في أحد أعياده، وقد صفّت له الجيوش وأحدقت به مائة ألف فارس دون الرجّالة، وصفّت له الفيلة، فلما بصرت به سجدت له، فما رفعت رءوسها حتى رفعت خراطيمها بالمحاجن، فأعلم بذلك وقال: وددت أنها فارسية، ولم تكن هندية، انظروا إلى أدبها من بين سائر الدواب. ثم هدم الله تعالى هذا الملك العظيم بالإسلام، قال الألبيري: [الكامل]
فطف البلاد لكي ترى آثار من ... قد كان يعمرها من الأقيال
عصفت بهم ريح الرّدى فذرتهم ... ذرو الرياح الهوج حقف رمال
فتقطعت أسبابهم وتمزّقت ... ولطالما كانوا كنظم لآلي
قيل لأبرويز- وكان حكيما: ما شهوة ساعة؟ قال: الجماع، قيل: فما شهوة يوم؟
قال: دخول الحمام، قيل: فما شهوة جمعة؟ قال: غسل الثياب، قيل: فما شهوة شهر؟
قال: تجديد الثياب، قيل فما شهوة سنة؟ قال: تزوج الأبكار قيل: فما شهوة الأبد؟
قال: أمّا في الدنيا فمشاهدة الإخوان، وأما في الآخرة فنعيم الجنة.
ونظر إلى قذاة في طعام، فدعا الطباخ فقال: ما هذا؟ فقال: حاولته بالليل في وقت لم يكن فيه ماء معين، فأمر بضرب عنقه، فغضب الطباخ؛ وقال: يا بن الأشتوربان- تفسيره يا بن سائس الدواب- فعفا عنه، وقال: إنا معشر الملوك نعاقب في الصغير، ونعفو عن الكبير.
[[دارا بن بهمن]]
وأما دارا بن بهمن، وهو آخر ملوك الفرس الأول، فإنه كان ضخم الملك، ذا قدرة ومكانة، وهو الذي بنى بأرض الجزيرة مدينة دارابجرد، وكانت جنده ستمائة