للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[أشعار في التشبيه]]

والخلالة إذا بلغت من رقتها، أن تقع بين الأسنان، فالعاشق إذا بلغ الغاية النّحول، هو الذي يشبّه بها، كما قال في التاسعة في وصف الصبيّ الهزيل من الجوع: «ولي منه سلالة، كأنها خلالة»، وأخذه من قول ديك الجن: [الخفيف]

ارحم اليوم ذلّتي وخضوعي ... فلقد صرت ناحلا كالخلال

وقال أبو الطيّب: [البسيط]

روح تردّد في مثل الخلال إذا ... أطارت الريح عنه الثوب لم يبن (١)

فذكر أنّ ثوبه على بدن لم يتبين للناظر. والتشبيه المقلوب عندهم شيء مستظرف، ومذهب مستحسن كما قال ذو الرّمة: [الطويل]

ورمل كأوراك العذارى قطعته ... وقد جلّلته المظلمات الحنادس (٢)

فقلب التشبيه، لأن العادة أن تشبّه الأعجاز بكثبان الرمل، كما قال الآخر: [الرجز]

* مثل قضيب تحته كثيب*

وكما قال الآخر: [الطويل]

وبيض نضيرات الوجوه كأنّما ... تأزّرن دون الأزر رملات عالج

وأخذه حبيب، وجوّد الصنعة حيث قال:

كم أحرزت قضب الهنديّ مصلتة ... تهتزّ من قضب تهتزّ من كثب

علق قوله: «من قضب تهتز» ب «أحرزت» يلجّ لك بديع صنعته بسرعة، فإنه أراد:

كم أحرزت قضب الهند وهي السيوف إذا أصلتت من أغمادها، وهزّت. من قضب، أي قدود نساء. تهتزّ من كثب، أي أكفال شبه أكداس رمال.

وما أعذب وأظرف قول البحتري: [الكامل]

أين الغزال المستعير من النّقا ... كفلا ومن نور الأقاحي مبسما (٣)

فهذا هو الذي جرت به العادة؛ في التشبيه، فقلب ذو الرمّة العرف والعادة فشبّه كثبان النّقا بأكفال النساء، وتبعه خالد الكاتب وغيره.


(١) البيت في ديوان المتنبي ٤/ ١٨٦.
(٢) يروى عجز البيت:
إذا ألبسته المظلمات الحنادس
وهو في ديوان ذي الرمة ص ١١٣١، ولسان العرب (ورك)، (جمل)، وتاج العروس (ورك).
(٣) البيت في ديوان البحتري ص ١٩٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>