للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حدث جحظة قال: حدثني خالد الكاتب، قال: جاءني يوما رسول إبراهيم بن المهديّ، فسرت إليه، فرأيت رجلا أسود على فرش قد غاص فيها، فاستجلسني وقال:

أنشدني من شعرك، فأنشدته: [الطويل]

رأت منه عيني منظرين كما رأت ... من الشّمس والبدر المنير على الأرض

عشيّة حيّاني بورد كأنّه ... خدود أضيفت بعضهنّ إلى بعض

ونازعني كأسا كأنّ حبابها ... دموعي لمّا صدّ عن مقلتي غمضي

وراح وفعل الرّاح في حركاته ... كفعل نسيم الريح في الغصن الغضّ

فزحف حتى صار في ثلثي الفراش، وقال: يا فتى، شبّهوا الخدود بالورد، وأنت شبهت الورد بالخدود! فزدني، فأنشدته: [مجزوء الكامل]

عاتبت نفسي في هوا ... ك فلم أجدها تقبل

وأطعت داعيها إلي ... ك ولم أطع من يعذل

لا والذي جعل الوجو ... هـ لحسن وجهك تمثل

لا قلت إن الصبر عن ... ك من التّصابي أجمل

فزحف حتى انحدر من الفراش، ثم قال: زدني، فأنشدته: [الوافر]

عش فحبّيك سريعا قاتلي ... والصّنى إن لم تصلني واصلي

فأنا بين اكتئاب وضنى ... تركاني كالقضيب الذّابل

فبكى العاذل لي من رحمة ... فبكائي لبكاء العاذل

فاستخفّ طربا، ثم قال: يا بليق، كم معك لنفقتنا؟ قال: ثمانمائة وخمسون دينارا، قال: اقسمها بيني وبين خالد، فدفع إليّ نصفها:

وقد سبق إلى قوله: «كأنه خدود»، قال المفضّل: دخلت على الرشيد وبين يديه طبق ورد، وعنده جارية مليحة شاعرة أديبة، قد أهديت إليه، فقال: يا مفضّل، قل في هذا الورد شيئا تشبّهه به، فأنشأت أقول: [البسيط]

كأنه خدّ معشوق يقبّله ... فم الحبيب وقد أبقى به خجلا

وقالت الجارية: [البسيط]

كأنّه لون خدّي حين تدفعني ... كفّ الرّشيد لأمر يوجب الغسلا

فقال: يا مفضّل قم فاخرج، فإن هذه الماجنة قد هيّجتنا، فقمت وأرخيت الستور.

ولقد أحسن ابن الزقّاق في قوله: [الخفيف]

ورياض من الشقائق أضحت ... تتهادى بها نسيم الرياح

<<  <  ج: ص:  >  >>